الثاني: ويحتمل أن يراد به الجهة، والمعنى: أخلص طريقته في الدين لله، وقال مقاتل: أخلص دينه. وقال ابن عباس: أخلص عمله لله. وقيل: قصده. وقيل: فوّض أمره إلى الله تعالى. وقيل: خضع وتواضع (?).
قال أبو حيان: "وهذه أقوال متقاربة في المعنى، وإنما يقولها السلف على ضرب المثال، لا على أنها متعينة يخالف بعضها بعضاً" (?).
قوله تعالى: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة: 112]، أي" أسلم، والحال أنه محسن" (?).
قال ابن عثيمين: " أي متبع لشريعة الله ظاهراً، وباطناً" (?).
قال الصابوني: " أي وهو مؤمن مصدّقٌ متبعٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم " (?).
قال أبو السعود: أي: " والحال أنه محسن في جميع أعماله التي من جملتها، الإسلام المذكور، وحقيقة الإحسان الإتيان بالعمل على الوجه اللائق وهو حسنه الوصفي التابع لحسنه الذاتي" (?).
قال الحافظ ابن كثير: "أي: متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل المتقبل شرطين:
أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده.
والآخر: أن يكون صوابًا موافقا للشريعة " (?).
قال أبو حيان: وقد قيد الزمخشري الإحسان بالعمل (?)؛ وجعل معنى قوله: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَه لِلَّهِ}: "من أخلص نفسه له، لا يشرك به غيره، وهو محسن في عمله" (?)، فصارت الحال هنا مبينة، إذ من لا يشرك قسمان: محسن في عمله، وغير محسن، وذلك منه جنوح إلى مذهبه الاعتزالي من أن العمل لا بد منه، وأنه بهما يستوجب دخول الجنة، ولذلك فسر قوله: {فَلَهُا أَجْرُهُ} "الذي يستوجبه" (?)، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلّم حقيقة الإحسان الشرعي حين سئل عن ماهيته فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (?). وقد فسر هنا الإحسان بالإخلاص، وفسر بالإيمان، وفسر بالقيام بالأوامر، والانتهاء عن المناهي" (?).
قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [البقرة: 112]، "أي فله ثواب عمله" (?) عند ربه.
قال ابن عثيمين: "أي ثوابه؛ وشبَّهه بالأجر؛ لأن الله التزم به للعامل" (?).
قال أبو حيان: " أي فأجره مستقر له عند ربه" (?).
قال أبو السعود: أجره" الذي وعده له على عمله وهو عبارة عن دخول الجنة أو عما يدخل هو فيه دخولا أوليا واياما كان فتصويره بصورة الأجر للإيذان بقوة ارتباطه بالعمل واستحالة نيله بدونه" (?).
وفي قوله تعالى: {عِنْدَ رَبِّهِ} [البقرة: 112]: فإنه أضاف العندية إليه لفائدتين (?):