الفائدة الأولى: أنه عظيم؛ لأن المضاف إلى العظيم عظيم؛ ولهذا جاء في حديث أبي بكر الذي علمه الرسولُ صلى الله عليه وسلم إياه أنه قال: "فاغفر لي مغفرة من عندك (?) " ...

والفائدة الثانية: أن هذا محفوظ غاية الحفظ، ولن يضيع؛ لأنك لا يمكن أن تجد أحداً أحفظ من الله؛ إذاً فلن يضيع هذا العمل؛ لأنه في أمان غاية الأمان، وأضافه إلى وصف الربوبية ليبين كمال عناية الله بالعامل، وإثابته عليه؛ فالربوبية هنا من الربوبية الخاصة.

قلت: إن المراد ليس (العندية المكانية)، فإن ذلك محال في حق الله تعالى ولا

الحفظ كالودائع، بل المراد أن أجرهم متيقن جار مجرى الحاصل عند ربهم، والله تعالى أعلم.

وقال أبو السعود: " والعندية للتشريف، ووضع اسم الرب مضافا إلى ضمير {من أسلم}، موضع ضمير الجلالة، لإظهار مزيد اللطف به وتقرير مضمون الجملة، أي فله أجره عتد مالكه ومدبر أموره ومبلغه إلى كماله" (?).

قوله تعالى: {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112]، أي: "ولا خوف عليهم في الآخرة ولا يعتريهم حزنٌ أو كدر، بل هم في نعيم مقيم" (?).

عن سعيد بن جبير في قوله: " {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}، يعني في الآخرة، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، يعني لا يحزنون للموت" (?).

قال أبو السعود: " {ولا خوف عليهم} في الدارين من لحوق مكروه، {ولا هم يحزنون} من فوات مطلوب أي لايعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم لكنهم لايخافون ولايحزنون" (?).

قال المراغي: " أي إن الذين أسلموا وجوههم لله وأحسنوا العمل لا تساور نفوسهم مخاوف ولا أحزان" (?).

واختلف في قوله تعالى: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] على قولين (?):

أحدهما: أنه أراد زوال الخوف والحزن عنهم في الدنيا.

والثاني: وقيل: في الآخرة في حال الثواب.

والقول الثاني هو الأصح، لأن قوله: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} عام في النفي، وكذلك: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وهذه الصفة لا تحصل في الدنيا وخصوصا في المكلفين لأنهم في كل وقت لا ينفكون من خوف وحزن، إما في أسباب الدنيا وإما في أمور الآخرة، فكأنه سبحانه وعدهم في الآخرة بالأجر، ثم بين أن من صفة ذلك الأجر أن يكون خاليا عن الخوف والحزن، وذلك يوجب أن يكون نعيمهم دائما لأنهم لو جوزوا كونه منقطعا لاعتراهم الحزن العظيم.

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ} [البقرة: 112]، على وجهين (?):

أحدها: قراءة ابن محيصن: {فلا خوف}، برفع الفاء من غير تنوين، باختلاف عنه.

والثاني: قراءة الزهري وعيسى الثقفي ويعقوب وغيرهم: {فلا خوف}، بالفتح من غير تنوين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015