وأصل (الإسلام): الاستسلام والخضوع، لأنه من: استسلمت لأمره، وهو الخضوع لأمره، وإنما سمي المسلم، مسلما، بخضوع جوارحه لطاعة ربه (?).

و(إسلام الوجه): هو التذلل لطاعته والإذعان لأمره (?).

قال النسفي: " يعني: جعله سالماً لله خالصاً له" (?).

وقال ابن كثير: أي "من أخلص العمل لله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} الآية [آل عمران: 20] " (?).

قال البغوي: " وخص (الوجه)، لأنه إذا جاد بوجهه في السجود، لم يبخل بسائر جوارحه" (?).

وقال الطبري: "وقد خص الله جل ثناؤه بالخبر (الوجه) .. لأن أكرم أعضاء ابن آدم وجوارحه وجهه، وهو أعظمها عليه حرمة وحقا، فإذا خضع لشيء وجهه الذي هو أكرم أجزاء جسده عليه فغيره من أجزاء جسده أحرى أن يكون أخضع له. ولذلك تذكر العرب في منطقها الخبر عن الشيء، فتضيفه إلى " وجهه " وهي تعني بذلك نفس الشيء وعينه، كقول الأعشى (?):

أَؤُوِّل الحكم على وَجهه ... ليس قضائي بالهوى الجائر

يعني بقوله: " على وجهه ": على ما هو به من صحته وصوابه، وكما قال ذو الرمة (?):

فطاوعت همي وانجلى وجه بازل ... من الأمر، لم يترك خِلاجا بُزُولُها

يريد: وانجلى البازل من الأمر فتبين، وما أشبه ذلك، إذْ كان حسن كل شيء وقبحه في وجهه، وكان في وصفها من الشيء وجهه بما تصفه به، إبانة عن عين الشيء ونفسه، فكذلك معنى قوله جل ثناؤه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}، إنما يعني: بلى من أسلم لله بدنه، فخضع له بالطاعة جسده، وهو محسن في إسلامه له جسده، فله أجره عند ربه، فاكتفى بذكر (الوجه) من ذكر جسده، لدلالة الكلام على المعنى الذي أريد به بذكر (الوجه) " (?).

وقد ذكر أبو حيان في سبب تخصيص الوجه في قوله تعالى: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112]، وجوها (?):

أحدها: أن الوجه هنا يحتمل أن يراد به الجارحة، خص بالذكر، لأنه أشرف الأعضاء، أو لأنه فيه أكثر الحواس، أو لأنه عبر به عن الذات ومنه: {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُا}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015