فَلا خَسًا عَدِيدُهُ وَلا زَكا ... كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا
والسفا شوك البُهْمَى، والبُهْمى الذي يكون مُدَوَّرًا في السُّلاء، ويعني بقوله: (ولا زكا)، لم يُصَيِّرْهم شَفعًا من وَترٍ، بحدوثه فيهم (?).
قال الواحدي: "والأظهر أن أصلها من الزيادة" (?)، ثم استشهد بقول النابغة (?):
وَمَا أَخَّرْتَ مِنْ دُنْيَاكَ نَقْصٌ ... وَإِن قَدَّمْتَ عَادَ لَكَ الزَّكاءُ
أراد بالزكاء: الزيادة (?).
والزكاة شرعًا: حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص (?)، تعبداً لله عز وجل.
وأما مستحقوا الزكاة: "فقد بينهم الله في سورة براءة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] " (?).
قال ابن كثير: " يَحُثُّ تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتَعُودُ عليهم عاقبتُه يوم القيامة، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يمكن لهم الله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 52] " (?).
وتعددت أقوال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 110]، على وجهين (?):
أحدهما: إن قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}، عموم.
والثاني: وقالت فرقة: هو من مجمل القرآن.
قال ابن عطية: "والمرجح أن ذلك عموم من وجه ومجمل من وجه، فعموم من حيث الصلاة الدعاء، فحمله على مقتضاه ممكن، وخصصه الشرع بهيئات وأفعال وأقوال، ومجمل من حيث الأوقات، وعدد الركعات والسجدات لا يفهم من اللفظ، بل السامع فيه مفتقر إلى التفسير، وهذا كله في أَقِيمُوا الصَّلاةَ، وأما {الزكاة}، فمجملة لا غير" (?).
وقال الرازي: "والأظهر أن المراد به التطوعات من الصلوات والزكوات، وبين تعالى أنهم يجدونه وليس المراد أنهم يجدون عين تلك الأعمال لأنها لا تبقى ولأن وجدان عين تلك الأشياء لا يرغب فيه، فبقي أن المراد وجدان ثوابه وجزائه" (?).
قال الطبري: "وإنما أمرهم جل ثناؤه في هذا الموضع بما أمرهم به، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسهم، ليَطَّهروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود، وركون من كان ركن منهم إليهم، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {راعنا}، إذْ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الآثام، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله" (?).