كذبَتْك عينُك أم رأيت بواسط ... غَلَس الظلام من الرَّباب خيالا

وعلى هذا القول جمع من أهل العلم، منهم ابن كثير (?)، وصاحب الكشاف، إذ يقول: " (أم) هذه هي المنقطعة التي بمعنى (بل) أي (بل تريدون) وفي هذا توبيخ وتقريع والكاف في قوله {كما سئل} في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي سؤالا مثل ما سئل موسى من قبل" (?).

والثالث: وقال بعض نحويي الكوفيين: إن شئت جعلت قوله: {أم تريدون} استفهاما على كلام قد سبقه، كما قال جل ثناؤه: {الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 1 - 3]، فجاءت " أم " وليس قبلها استفهام، فكان ذلك عنده دليلا على أنه استفهام مبتدأ على كلام سبقه، وقال قائل هذه المقالة: " (أم) في المعنى تكون ردا على الاستفهام على جهتين:

إحداهما: أن تُفَرِّق معنى (أي).

والأخرى: أن يستفهم بها فتكون على جهة النسق، والذي ينوي بها الابتداء، إلا أنه ابتداء متصل بكلام، فلو ابتدأت كلاما ليس قبله كلام ثم استفهمت، لم يكن إلا بـ (الألف) أو بـ (هل) ... وإن شئت قلت في قوله: {أم تريدون}، قبله استفهام، فرد عليه وهو في قوله: {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} " (?).

والرابع: وقيل: (أم) هنا منقطعة بمعنى (بل) و (همزة الاستفهام)؛ أي: (بل أتريدون)؛ والإضراب هنا ليس للإبطال؛ لأن الأول ليس بباطل؛ بل هو باق؛ فالإضراب هنا إضراب انتقال؛ و "الإرادة" هنا بمعنى المشيئة؛ وإن شئت فقل: بمعنى المحبة (?).

وقال مكي وغيره: "وهذا يضعف لأن «أم» لا تقع بمعنى (بل) إلا إذا اعترض المتكلم شك فيما يورده" (?).

قال ابن عطية: "وليس كما قال مكي رحمه الله، لأن «بل» قد تكون للإضراب عن اللفظ الأول لا عن معناه، وإنما يلزم ما قال على أحد معنيي «بل» وهو الإضراب عن اللفظ والمعنى، ونعم ما قال سيبويه: بل هي لترك كلام وأخذ في غيره" (?).

والصواب أنه استفهام مبتدأ، بمعنى: أتريدون أيها القوم أن تسألوا رسولكم؟ وذلك لما جاءت به الآثار التي ذكرها الإمام الطبري، إذ يقول: "وإنما جاز، أن يستفهم القوم بـ " أم "، وإن كانت " أم " أحد شروطها أن تكون نسقا في الاستفهام لتقدم ما تقدمها من الكلام، لأنها تكون استفهاما مبتدأ إذا تقدمها سابق من الكلام. ولم يسمع من العرب استفهام بها ولم يتقدمها كلام، ونظيره قوله جل ثناؤه: {الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 1 - 3] وقد تكون (أم) بمعنى (بل)، إذا سبقها استفهام لا يصلح فيه (أي)، فيقولون: "هل لك قِبَلَنا حق، أم أنت رجل معروف بالظلم؟ "، وقال الشاعر (?):

فوالله ما أدري أسلمى تغولت ... أم النوم أم كل إلي حبيب

يعني: بل كل إلي حبيبا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015