قوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} الآيات الثلاث بعدها - على أن ذلك كذلك (?).
قال الراغب: " وإنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {ألم تعلم}، وإن كان الخطاب له ولغيره، لذكره العلم ولا أحد من البشر أعلم بذلك منه- عليه السلام-، أو قد وقف من أسرار ملكوت السموات والأرض على ما لم يوقف عليه غيره" (?).
وقوله تعالى: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة: 107]، فإنه سوى الله، وبعد الله، ومنه قول أمية بن أبي الصلت (?):
يا نفس مالك دون الله من واقي ... وما على حدثان الدهر من باقي
يريد: مالك سوى الله وبعد الله من يقيك المكاره (?).
قال الراغب: " وقوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّه} ِإذا تصور خطاباً للكفار اقتضى وعيدا أي لأولي وناصر يحميكم عنه نحو قوله تعالي.
{إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ} إدا تصور خطابة للمؤمنين اقتضى تسكيناً لهم أي لا تعتدوا بمن يواليكم وينصركم سواه، كقوله: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}، وإذا اعتبر بهما فالمعنيان فيهما موجودان أي لا تعتقدوا أن لكم ولياً وناصراً إذا لم يكن الله وليكم تنبيها أنه تعالي هو الذي لا يمكن تصور ولي وناصر مع تصور ارتفاعه عز وجل" (?).
وقراءة الجماعة (وَلَا نَصِيرٍ) بالخفض عطفا على (ولي) ويجوز (وَلَا نصيرُ) بالرفع عطفا على الموضع، لأن المعنى ما لكم من دون الله ولي ولا نصير (?).
قال أبو حيان: "وتضمنت هاتان الجملتان (?) التقرير على الوصفين اللذين بهما كمال التصرف، وهما: القدرة والاستيلاء، لأن الشخص قد يكون قادراً، بمعنى أن له استطاعة على فعل شيء، لكنه ليس له استيلاء على ذلك الشيء، فينفذ فيه ما يستطيع أن يفعل، فإذا اجتمعت الاستطاعة وعدم المانعية، كمل بذلك التصرف مع الإرادة، وبدأ بالتقرير على وصف القدرة، لأنه آكد من وصف الاستيلاء والسلطان" (?).
الفوائد:
1 من فوائد الآية: تقرير عموم ملك الله؛ لقوله تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض}؛ ولا يرد على هذا إضافة الملك للإنسان، كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3]؛ فإن هذه الإضافة ليست على سبيل الإطلاق؛ لأن ملك الإنسان للأشياء ملك محدود، وناقص، وقاصر؛ محدود من حين استيلائه عليه إلى أن يخرج عن ملكه ببيع، أو هبة، أو موت، أو غير ذلك؛ كذلك هو ناقص: فهو لا يملك التصرف فيه كما يشاء؛ بل تصرفه مقيد بما يباح له شرعاً؛ ولهذا لو أراد أن يحرق ملكه لم يملك ذلك؛ كذلك أيضاً ملك الإنسان قاصر؛ فهو لا يملك إلا ما تحت يده؛ فلا يشمل ملك الآخرين ..
2 ومن فوائد الآية: اختصاص ملك السموات، والأرض بالله؛ وهذا مأخوذ من تقديم الخبر، حيث إن تقديم الخبر يدل على الحصر؛ لقوله تعالى: {له ملك السموات والأرض} ..