وإن قيل: أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه له ملك السموات والأرض، حتى قيل له ذلك؟ قيل: عن هذا ثلاثة أجوبة (?):
أحدها: أن قوله: {ألم تعلم}، بمعنى: أعلمت.
والثاني: أنه خارج مخرج التقرير، لا مخرج الاستفهام. كما قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ: اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَم أَنتَ قُلْتَ لِلْنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} [المائدة: 116]، خرج مخرج التقرير لا مخرج الاستفهام.
والثالث: أن هذا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم-، والمراد به أمته، ألا تراه قال بعد ذلك {وَمَا لَكُم مِّنْ دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}، فإن "جمع الضمير في {لَكُمْ}، دال على أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب أمته" (?).
والأقرب: أن الكلام قد أخرج الكلام مخرج التقرير" لكونه أبلغ في حكم الخطابة" (?)، وذلك كقول جرير (?):
أَلَسْتم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
أي: أنتم كذلك.
كما أن هذا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم-، والمراد به أمته، ونظير ذلك قول الكميت بن زيد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم (?):
إلى السراج المنير أحمد، لا ... يَعْدِلني رغبة ولا رهب
عنه إلى غيره ولو رفع النـ ... اس إليّ العيونُ وارتقبوا
وقيل: أفرطتَ! بل قصدتُ ولو ... عنفني القائلون أو ثَلَبُوا
لج بتفضيلك اللسان، ولو ... أكثر فيك الضِّجاج واللجَب
أنت المصفي المحض المهذب في النـ سبة، إن نص قومَك النسب
فأخرج كلامه على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قاصد بذلك أهل بيته.
وكما قال جميل بن معمر (?):
ألا إن جيراني العشية رائح ... دعتهم دواع من هوى ومنادح
فقال: " ألا إن جيراني العشية " فابتدأ الخبر عن جماعة جيرانه، ثم قال: " رائح"، لأن قصده - في ابتدائه ما ابتدأ به من كلامه - الخبر عن واحد منهم دون جماعتهم، وكما قال جميل أيضا في كلمته الأخرى (?):
خليلي فيما عشتما، هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
وهو يريد قاتلته، لأنه إنما يصف امرأة، فكنى باسم الرجل عنها، وهو يعنيها.
فكذلك قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وإن كان ظاهر الكلام على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه مقصود به قصد أصحابه. وذلك بين بدلالة