3 ومنها: أن من ملك الله أنه ينسخ ما يشاء، ويثبت؛ فكأن قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض} تعليل لقوله تعالى: {ما ننسخ من آية}؛ فالمالك للسموات والأرض يتصرف فيهما كما شاء ..
4 ومنها: أنه لا أحد يدفع عن أحد أراد الله به سوءاً؛ لقوله تعالى: {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير}.
5 ومنها: أنه يجب على المرء أن يلجأ إلى ربه في طلب الولاية، والنصر ..
فإذا قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [الأنفال: 62]، ويقول تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله} [التوبة: 40]؛ فأثبت نصراً لغير الله ..
فالجواب: أن إثبات النصر لغير الله إثبات للسبب فقط؛ وليس نصراً مستقلاً؛ والنصر المستقل من عند الله؛ أما انتصار بعضنا ببعض فإنه من باب الأخذ بالأسباب؛ وليس على وجه الاستقلال ..
6 ومن فوائد الآية: أن ما يريده الإنسان فهو إما جلب منفعة يحتاج إلى ولي يجلبها له؛ وإما دفع مضرة يحتاج إلى نصير يدفعها عنه ..
القرآن
{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)} [البقرة: 108]
التفسير:
بل أتريدون- أيها الناس- أن تطلبوا من رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم أشياء بقصد العناد والمكابرة، كما طُلِبَ مثل ذلك من موسى. علموا أن من يختر الكفر ويترك الإيمان فقد خرج عن صراط الله المستقيم إلى الجهل والضَّلال.
اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية، على أقوال (?):
أحدها: قال ابن عباس: "قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك! فأنزل الله في ذلك من قولهما: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ}، الآية (?).
والثاني: أخرج الطبري وابن أبي حاتم، عن السدي: " {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ}، أن يريهم الله جهرة. فسألت العرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرة" (?). وروي عن قتادة (?) مثل ذلك.
والثالث: قال مجاهد: " سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا، فقال: " نعم! وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم! فأبوا ورجعوا، فأنزل الله: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل}، أن يريهم الله جهرة" (?). وذكر الواحدي عن ابن عباس (?) نحو ذلك.
والرابع: قال ابن حجر: "وحكى ابن ظفر أنه قيل: إنها نزلت في من قال من المسلمين لما رأوا شجرة يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط. فقال: هذا كقول قوم موسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة} [الأعراف: 168]، قال ابن ظفر: لأن التبرك بالشجر واتخاذها عيدا يستدرج من يجيء بعدهم إلى عبادتها" (?).