وقال القاسمي: " فهو يقدر على الخير، وما هو خير منه، وعلى مثله في الخير" (?).

قال الطبري: " ألم تعلم يا محمد أني قادر على تعويضك مما نسخت من أحكامي، وغيرته من فرائضي التي كنت افترضتها عليك، ما أشاء مما هو خير لك ولعبادي المؤمنين معك، وأنفع لك ولهم، إما عاجلا في الدنيا، وإما آجلا في الآخرة - أو بأن أبدل لك ولهم مكانه مثله في النفع لهم عاجلا في الدنيا وآجلا في الآخرة وشبيهه في الخفة عليك وعليهم؟ فاعلم يا محمد أني على ذلك وعلى كل شيء قدير" (?).

قال أبو السعود: " والمرادُ بهذا التقرير الاستشهادُ بعلمه بما ذكر على قدرتِهِ تعالَى على النسخ وعلى الإيتان بما هو خيرٌ من المنسوخ وبما هو مثله لأن ذلك من جملة الأشياء المقهورةِ تحت قدرته سبحانه فمِنْ علم شمولِ قدرتِه تعالى لجميعِ الأشياء علمُ قدرته على ذلك قطعاً" (?).

قال الراغب: " أي لا تحسبن أن تغييري الحكم حالاً فحالاً وإن لم آت بالثاني في الابتداء هو العجز، فإن من علم قدرته على كل شي لا يظن ذلك، وإنما يعتبر ذلك لا يرجع إلى مصلحة العباد، وبدأ الأليق بهم في الوقت المتقدم الحكم المتقدم وفى الوقت المتأخر الحكم المتأخر" (?).

قال ابن عثيمين: "يقرر الله المخاطَب، يعني أنك قد علمت قدرة الله على كل شيء؛ ومنها القدرة على النسخ" (?).

ويحتمل الإستفهام في قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ} [البقرة: 106]، وجهين:

أحدهما: أن ظاهره الإستفهام المحظ، يفيد الأنكار. قاله ابن عطية (?).

والثاني: أن هذا الإستفهام معناه التقرير (?).

والراجح أن الإستفهام -هنا- معناه التقرير، ولا يحتاج إلى معادل ألبتة، "والاستفهام بمعنى التقرير كثير في كلامهم جداً، خصوصاً إذا دخل على النفي: {أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 10]؟ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8]؟ {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18]؟ {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6]؟ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الإنشراح: 1]؟ فهذا كله استفهام لا يحتاج فيه إلى معادل، لأنه إنما يراد به التقرير، والمعنى: قد علمت أيها المخاطب أن الله قادر على كل شيء، فله التصرف في تكاليف عباده، بمحو وإثبات وإبدال حكم بحكم، وبأن يأتي بالأخير لكم وبالمماثل" (?).

وفي إفراد المخاطب في قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ} [البقرة: 106]، وجوها:

أحدها: أن الحكمة في ذلك، "أنه ما من شخص إلا يتوهم أنه المخاطب بذلك، والمنبه به، والمقرر على شيء ثابت عنده، وهو أن قدرة الله تعالى متعلقة بالأشياء، فلن يعجزه شيء، فإذا كان كذلك لم ينكر النسخ، لأن الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه" (?). قاله أبو حيان.

والثاني: "إنما أفرده لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أعلمهم، ومبدأ علمهم" (?). قاله الآلوسي.

والثالث: أن الإفراد كان أفاد المبالغة مع الاختصار (?). قاله الآلوسي.

واختلف في المخاطب في قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106]، على وجوه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015