أحدها: أن "الخطاب للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وأريد بطريق الكناية هو وأمته المسلمون" (?)، لأن قال بعد ذلك في الآية التالية: " {وَمَا لَكُم مِّنْ دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.
والثاني: أن الخطاب للسامع، أي لكل واقف عليه. قاله أبو حيان (?).
والثالث: أن الخطاب لمنكري النسخ، "والمراد الاستشهاد بعلم المخاطب بما ذكر على قدرته تعالى على النسخ وعلى الإتيان بما هو خير أو مماثل لأن ذلك من جملة الأشياء المقهورة تحت قدرته سبحانه فمن علم شمول قدرته عز وجل على جميع الأشياء علم قدرته على ذلك قطعا" (?).
قال المراغي: و"الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره من المؤمنين الذين ربما كان يؤذيهم ما كان يعترض به اليهود وغيرهم على النسخ، وضعيف الإيمان يؤثر في نفسه أن يعاب ما يأخذ به، فيخشى عليه من الركون إلى الشبهة أو تدخل في قلبه الحيرة، فجاء ذلك تثبيتا لهم وتقوية لإيمانهم، ببيان أن القادر على كل شاء لا يستنكر عليه نسخ الأحكام، لأنها مما تتناولها قدرته" (?).
قال الآلوسي: " والالتفات بوضع الاسم الجليل موضع الضمير، لتربية المهابة، ولأنه الاسم العلم الجامع لسائر الصفات، ففي ضمنه صفة القدرة فهو أبلغ في نسبة القدرة إليه من ضمير المتكلم المعظم" (?).
قال ابن عطية: " ومعنى الآية أن الله تعالى ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء ويفعل في أحكامه ما يشاء، هو قدير على ذلك وعلى كل شيء، وهذا لإنكار اليهود النسخ، وقوله تعالى {عَلى كُلِّ شَيْءٍ}، لفظ عموم معناه الخصوص، إذ لم تدخل فيه الصفات القديمة بدلالة العقل ولا المحالات لأنها ليست بأشياء، والشيء في كلام العرب الموجود" (?).
قال ابن كثير: " يرشد تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها تعالى، ثم ينهى عنه لما يعلمه تعالى .. فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا. وامتثال ما أمروا. وترك ما عنه زجروا. وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم - لعنهم الله- في دعوى استحالة النسخ إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا، ً وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا" (?).
الفوائد:
1 من فوائد الآية: ثبوت النسخ، وأنه جائز عقلاً، وواقع شرعاً؛ وهذا ما اتفقت عليه الأمة إلا أبا مسلم الأصفهاني؛ فإنه زعم أن النسخ مستحيل؛ وأجاب عما ثبت نسخه بأن هذا من باب التخصيص؛ وليس من باب النسخ؛ وذلك لأن الأحكام النازلة ليس لها أمد تنتهي إليه؛ بل أمدها إلى يوم القيامة؛ فإذا نُسِخت فمعناه أننا خصصنا الزمن الذي بعد النسخ. أي أخرجناه من الحكم.؛ فمثلاً: وجوب مصابرة الإنسان لعشرة حين نزل كان واجباً إلى يوم القيامة شاملاً لجميع الأزمان؛ فلما نُسخ أخرج بعض الزمن الذي شمله الحكم، فصار هذا تخصيصاً؛ وعلى هذا فيكون الخلاف بين أبي مسلم وعامة الأمة خلافاً لفظياً؛ لأنهم متفقون على جواز هذا