واسيتدل أصحاب هذا الوجه بقوله تعالى: " {سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6 - 7]، فقد أعلم اللَّه أنه يشاء أن يُنْسى" (?).
وقد ضعف الزجاج أن تحمل الآية على (النسيان) الذي هو ضد الذكر، فقال: " وهذا القول عندي ليس بجائز، لأن اللَّه عزَّ وجلَّ: قد أنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم -
في قوله {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إنَّه لا يشاء، أن يذهب بالذي أوحَى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -" (?).
ثم ذكر أن في قوله تعالى: {فَلَا تَنْسَى إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} قولان يُبْطلان أن يكون {ننسها}، في الآية بمعنى (النسيان) (?):
أحدهما: أن قوله: {فلا تنسى}، أي لست تترك إلا ما شاءَ اللَّه أن تترك.
والثاني: ويجوز أن يكون {إلا ما شاءَ الله}، مما يلحق بالبشرية، ثم تذكر بعد، ليس أنه على طريق السلب للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أوتيه من الحكمة.
في حين قال أبو عليّ وغيره: "ذلك جائز، وقد وقع، ولا فرق بين أن ترفع الآية بنسخ أو بنسئه" (?).
وقال ابن عطية: " والصحيح في هذا، أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلّم، لما أراد الله أن ينساه، ولم يرد أن يثبته قرآناً جائزاً، وأما النسيان الذي هو آفة في البشر، فالنبي صلى الله عليه وسلّم معصوم منه، قبل التبليغ، وبعد التبليغ، ما لم يحفظه أحد من الصحابة، وأما بعد أن يحفظ، فجائز عليه ما يجوز على البشر، لأنه قد بلغ وأدى الأمانة، ومنه الحديث، حين أسقط آية، فلما فرغ من الصلاة قال: "أفي القوم أبي؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: "فلم لم تذكرني؟ " قال: خشيت أنها رفعت". فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "لم ترفع ولكني نسيتها" (?) (?).
قال ابن عثيمين: "والمراد به هنا رفع الآية؛ وليس مجرد النسيان؛ لأن مجرد النسيان لا يقتضي النسخ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قد ينسى بعض الآية؛ وهي باقية" (?).
الوجه الثاني: أن يكون {نُنْسِهَا} بمعنى: (الترك)، من قول الله جل ثناؤه: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، يعني به: تركوا الله في عبادته فتركهم في العذاب، ومنه قوله تعالى: {قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى} [طه: 126].
واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم (?)، وحسّنه الفراء (?)، ونصره أبو علي الفارسي (?).
واعترض الزجاج على هذا التفسير فقال: " وقيل في {أو ننْسِهَا} قول آخر، وهو خطأ أيضاً، قالوا: أو نَتْرُكُهَا، وهذا يقال فيه نسيت إذا تركت، ولا يقال أنسيت أي تركت" (?).
واعترض ايضا الواحدي، فقال: وهذا لا يصح؛ لأنه ليس كل آية تُركت ولم تنسخ يؤتى بخير منها" (?).