قال ابن حجر: "ولعل قتادة أخذ ما قال من هذا الخبر [أي: الخبر الذي ذكره الثعلبي في القول السابق]، وليس في الخبر تعيين الآية الناسخة صريحا، بل ما يومئ إلى ذلك، والعلم عند الله تعالى" (?).

قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106]، " أي ما نبدّل من حكم آية فنغيره بآخر" (?).

قال الطبري: أي: "ما ننقل من حكم آية، إلى غيره فنبدله ونغيره، وذلك أن يحول الحلال حراما، والحرام حلالا والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة. فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ" (?).

وقوله: " {مِنْ آيَةٍ}، فكل المفسرين حملوه على الآية من القرآن غير أبي مسلم، فإنه حمل ذلك على التوراة والإنجيل" (?).

قال الزجاج: " فأما النسخ في اللغة، فإبطال شيء وإقامة آخر مقامه، العرب تقول نسخت الشمسُ الظل، والمعنى أذهبت الظل وحلَّت محلَّه" (?).

وتجدر الإشارة بأن النسخ في اللغة يطلق على معنيين اثنين (?):

أحدهما: النقل، أي: نقل الشيء من مكان إلى آخر مع بقاء الأول، ومنه نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه.

والثاني: الرفع والإزالة، وهو المقصود هنا، وهو منقسم في اللغة إلى ضربين:

الأول: إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه، ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله، وهو معنى النسخ في الآية.

والثاني: إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه كقولهم: نسخت الريح الأثر، ومن هذا المعنى قوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: 52].

أما في الاصطلاح فقد مر بمرحلتين:

الأولى: في اصطلاح السلف:

ويوضحه ابن القيم بقوله: "ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة-وهو اصطلاح المتأخرين-، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه ... " (?).

الثانية: في اصطلاح الأصوليين:

وقد عرفه الرازي، بقوله: "طريق شرعي يدل على أن مثل الحكم الذي كان ثابتاً بطريق لا يوجد بعد ذلك مع تراخيه على وجه لولاه كان ثابتاً" (?).

وعرفه الآمدي، بأنه: "عبارة عن خطاب الشارع المانع من استمرار ما ثبت من حكم خطاب شرعي سابق" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015