قال الزمخشري: " ويجوز أن يكون قوله {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} تمنيا لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة اللَّه إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل وليتهم آمنوا: ، ثم ابتدئ لمثوبة من عند اللَّه خير" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: سعة حلم الله، حيث يعرض عليهم الإيمان، والتقوى؛ لقوله تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} يعني فيما مضى، وفيما يستقبل؛ وهذه من سنته سبحانه وتعالى أن يعرض التوبة على المذنبين؛ انظر إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، يُحَرِّقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}.
2 - ومنها: أن الإيمان يُنال به ثواب الله؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103].
3 - ومنها: أن ثواب الله خير لمن آمن واتقى من الدنيا؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}، أي خير من كل شيء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا، وما فيها" (?).
4 - ويؤخذ منها: ومن قوله تعالى عن الناصحين لمن تمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]، أنّ التقوى هي العمل الصالح ..
5 - ومنها: أن فعل هؤلاء اليهود، واختيارهم لما فيه الكفر من تعلم السحر فعلُ الجاهل؛ لقوله تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
القرآن
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)} [البقرة: 104]
التفسير:
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم: راعنا، أي: راعنا سمعك، فافهم عنا وأفهمنا؛ لأن اليهود كانوا يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم يلوون ألسنتهم بها، يقصدون سبَّه ونسبته إلى الرعونة، وقولوا- أيها المؤمنون- بدلا منها: انظرنا، أي انظر إلينا وتعهَّدْنا، وهي تؤدي المعنى المطلوب نفسه واسمعوا ما يتلى عليكم من كتاب ربكم وافهموه. وللجاحدين عذاب موجع.
سبب النزول:
قال ابن عباس في رواية عطاء: "وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعجبهم ذلك وكان {راعنا} في كلام اليهود سبا قبيحا فقالوا: إنا كنا نسب محمدا سرا فالآن أعلنوا السب لمحمد لأنه من كلامهم، فكانوا يأتون نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: يا محمد {راعنا} ويضحكون ففطن بها رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفا بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه فقالوا: ألستم تقولونها له؟ فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} الآية" " (?).
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 14]، " أي: يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله" (?).