و (المثوبة) في كلام العرب، مصدر من قول القائل: أثبتك إثابة وثوابا ومثوبة، و (الثوابُ) في الأصل معناه: ما رجع إليك من عائدة، وحقيقته: الجزاء العائد على صاحبه مُكَافأةً لما فعل، ومنه: التَثْويب في الأذان، إنما هو ترجيع الصَوْت، ولا يقال لصوتٍ مرةً واحدةً: تثويب، ويقال: ثوّب الداعي: إذا كرر دعاه كما قال (?):
إذا الداعي المُثَوّبُ قال: يالا
والثوب مشتقّ من هذا، لأنه ثاب لباسًا بعد أن كان قُطنا أو غزلا (?).
ومنه: ثواب الله عز وجل عباده على أعمالهم، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء عليه، حتى يرجع إليهم بدل من عملهم الذي عملوا له (?).
وقال الراغب: " الثؤوب: رجوع الشيء إلى حالة شبيهة بالحالة الأولى، يقال: ثاب الحوض إذا امتلاء بعد فراغه عقيب امتلائه، والثوب لتصوره بصورة القطن لاجتماع أجزائه بعد تفرقها بالغزل، والثيب من النساء لعودها إلى الأيمة، والتثويب في الصوت ترديده، والثواب والمثوبة في الخير تحصيل نفع يثوب إليه بإحسانه" (?). وفي قوله تعالى: {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة: 103]، أضاف الله الثواب إلى نفسه، وجعلها من عنده لأمرين (?):
أحدهما: أنها تكون أعظم مما يتصوره العبد؛ لأن العطاء من العظيم عظيم؛ فالعطية على حسب المعطي؛ عطية البخيل قليلة؛ وعطية الكريم كثيرة.
والثاني: اطمئنان العبد على حصولها؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.
قوله تعالى: {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103]، لو كانوا يعلمون "أن ثواب الله إياهم على ذلك خير لهم، من السحر ومما اكتسبوا به" (?).
قال الزجاج: " أي لو كانوا يَعْمَلُونَ بِعِلمِهم، ويعلمون حقيقة ما فيه الفضل" (?).
قال الراغب: أي: " ولو علموا لظهر لهم ذلك" (?).
قال الزمخشري: أي" أنّ ثواب اللَّه خير مما هم فيه وقد علموا، ولكنه جهلهم لترك العمل بالعلم" (?).
قال أبو السعود: " أي أن ثواب الله خير. وإنما نسبوا إلى الجهل لعدم العمل بموجب العلم" (?).
قال البيضاوي: وقد علموا، لكنه جَهَّلَهُم لترك التدبر، أو العمل بالعلم" (?).
قال النسفي: " جَهَّلَهُم، لما تركوا العمل بالعلم" (?).
قال المراغي: " أي: إنهم ليسوا على شاء من العلم الصحيح، إذ لو كان كذلك لظهرت نتائجه في أعمالهم، ولآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوه وصاروا من المفلحين لكنهم يتبعون الظن ويعتمدون على التقليد، ومن جرّاء هذا خالفوا الكتاب وساروا وراء أهوائهم وشهواتهم فوقعوا في الضلال البعيد" (?).