و (الفتنة) تستعمل في معانٍ كثيرة، ترجع كلها إلى الأصل الذي ذكرنا وهو الابتلاء والامتحان، والفتنة مصدر؛ لذلك لم يُثَنَّ (?).
ويقال: فَتَنَه وأَفْتَنَه، والأول: لغة أهل الحجاز، والثاني: لغة أهل نجد، وقال أعشى همْدان (?):
لئن فَتَنَتْني لَهْيَ بالأمس أفْتَنَتْ ... سعيدًا فأمسى قد قَلَى كلَّ مُسلم
وكان الأصمعي ينكر أفتَنَه، وذُكر له هذا البيت فلم يعبأ به (?). وأكثر أهل اللغة أجازوا اللغتين (?)، ومعنى فتنته فلانة: أي: اختبرته، كأنه اختبر بها لجمالها (?).
واختلف في قوله تعالى: {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، على وجوه (?):
أحدها: فلا تكفر: بتعلم السحر.
والثاني: فلا تكفر باستعماله.
والثالث: وحكى المهدوي أن قولهما: {إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} استهزاء، لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله.
قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المرء وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، "أي يتعلمون منهما من علم السحر ما يكون سبباً في التفريق بين الزوجين" (?).
قال الزمخشري: " أى فيتعلم الناس من الملكين علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين من حيلة وتمويه، كالنفث في العقد، ونحو ذلك مما يحدث اللَّه عنده الفرك والنشوز والخلاف ابتلاء منه، لا أنّ السحر له في نفسه" (?).
قال قتادة: " وتفريقهم أن يمسكوا كل واحد منهما عن صاحبه ويبغضوا كل واحد منهما إلى صاحبه" (?).
قال الشوكاني: "في إسناد التفريق إلى السحرة وجعل السحر سبباً لذلك دليل على أن للسحر تأثيراً في القلوب بالحب والبغض والجمع والفرقة والقرب والبعد" (?).
و(المرء) معناه: رجل من أسماء بني آدم، والأنثى منه: (المرأة)، يوحد ويثنى، ولا تجمع ثلاثته على صورته، وكذلك: المرأة توحد وتثنى ولا تجمع على صورتها (?).
وفي {المرء} [البقرة: 102]، أربع قراءات (?):
إحداها: قرأ الحسن: {المرّ} بفتح الميم وتشديد الرّاء جعله عوضا عن الهمزة.
والثانية: وقرأ الزهري: {المُرء}، بضم الميم والهمزة.
والثالث: وحكى يعقوب عن جدّه: بكسر الميم والهمزة.
والرابعة: وقرأ الباقون: بفتح الميم والهمزة.