موسى عليه السلام: {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} [يونس: 81] ثم إنه رحمه الله سلك في تفسير الآية نهجا آخر يخالف قول أكثر المفسرين، فقال: كما أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه، فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر مع أن المنزل عليهما كان مبرأ عن السحر وذلك لأن المنزل عليهما كان هو الشرع والدين والدعاء إلى الخير، وإنما كانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} توكيدا لبعثهم على القبول والتمسك، وكانت طائفة تتمسك وأخرى تخالف وتعدل عن ذلك ويتعلمون منهما أي من الفتنة والكفر مقدار ما يفرقون به بين المرء وزوجه، فهذا تقرير مذهب أبي مسلم (?).

والجمهور على أن (ما) في قوله تعالى: {وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} [البقرة: 102]، هي موصولة (?)، وذلك لأن "الحديث وما جاءَ في قِصَّةِ الملكين أشبه وأولى أن يؤخذ به (?). والله أعلم.

وفي {المَلَكَيْنِ} [البقرة: 102]، قراءتان (?):

إحداهما: {الملِكَيْنِ}، بكسر اللام، وهي قراءة ابن عباس والضحاك (?) وابن أبزى (?) والحسن وابن جبير والزهري وأبي الأسود (?).

ومن ثم اختلفوا في تعيينهما على قولين:

الأول: أنهما داود وسليمان. قاله ابن أبزى (?).

والثاني: هما علجان من أهل بابل. قاله ابن عباس (?)، والضحاك (?)، وأبو أسود الدؤلي (?).

والذين كسروا (اللام) احتجوا بوجوه (?):

أحدها: أنه لا يليق بالملائكة تعليم السحر.

وثانيها: كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله: {ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر ثم لا ينظرون} {الأنعام: 8}.

وثالثها: لو أنزل الملكين لكان إما أن يجعلهما في صورة الرجلين أو لا يجعلهما كذلك، فإن جعلهما في صورة الرجلين مع أنهما ليسا برجلين كان ذلك تجهيلا وتلبيسا على الناس وهو غير جائز، ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن كل واحد من الناس الذين نشاهدهم لا يكون في الحقيقة إنسانا، بل ملكا من الملائكة؟ وإن لم يجعلهما في صورة الرجلين قدح ذلك في قوله تعالى: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} [الأنعام: 9].

وقد خَطَأ الطبري هذه القراءة مستدلاً على ذلك بقوله: " فإجماع الحجة على خطأ القراءة بها، من الصحابة والتابعين وقراء الأمصار. وكفى بذلك شاهدا على خطئها" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015