الملكان من أحد حتى ينصحاه ويحذِّراه من تعلم السحر، ويقولا له: لا تكفر بتعلم السِّحر وطاعة الشياطين. فيتعلم الناس من الملكين ما يُحْدِثون به الكراهية بين الزوجين حتى يتفرقا. ولا يستطيع السحرة أن يضروا به أحدًا إلا بإذن الله وقضائه. وما يتعلم السحرة إلا شرًا يضرهم ولا ينفعهم، وقد نقلته الشياطين إلى اليهود، فشاع فيهم حتى فضَّلوه على كتاب الله. ولقد علم اليهود أن من اختار السِّحر وترك الحق ما له في الآخرة من نصيب في الخير. ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر عوضًا عن الإيمان ومتابعة الرسول، لو كان لهم عِلْمٌ يثمر العمل بما وُعِظوا به.

في سبب نزول الآية أقوال (?):

أحدها: أخرج الواحدي عن ابن عباس: "إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس، فاطلع على ذلك سليمان، فأخذها فدفنها تحت الكرسي؛ فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم قال: تحت الكرسي فأخرجوه، فقالوا: هذا سحر. فتناسخته الأمم فأنزل الله عذر سليمان {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان} " (?). وروي عن السدي (?)، وسعيد بن جبير (?)، وقتادة (?)، ومجاهد (?)، نحو ذلك.

والثاني: أخرج ابن أبي حاتم "عن ابن عباس، قال: قال: آصف كاتب سليمان، أخرجته الشياطين فكتبوا من كل سطرين سحرا وكفرا، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال: فأكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبوه حتى أنزل على محمد: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} " (?). وروي عن الكلبي (?)، نحو ذلك.

الثالث: أخرج الواحدي "عن خصيف قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت؟ فتقول لكذا وكذا؛ فلما نبتت شجرة الخرنوبة قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لمسجدك أخربه قال: تخربينه؟ قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت، فلم يلبث أن توفي، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان لنا مثل سليمان، فأخذت الشياطين فكتبوا كتابا وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب فإذا فيه سحر رقى فأنزل الله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} إلى قوله: {فلا تكفر} " (?).

والرابع: أخرج الطبري عن ابن إسحاق: "عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام، فكتبوا أصناف السحر: " من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا ". حتى إذا صنعوا أصناف السحر، جعلوه في كتاب ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان، وكتبوا في عنوانه: " هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم "، ثم دفنوه تحت كرسيه. فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا: ما كان سليمان بن داود إلا بهذا!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015