قال الشوكاني: " تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئا مع كونهم يعلمون علما يقينا من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم كانوا بمنزلة من لا يعلم" (?).

قال الراغب: " وقد دل تعالى بالأيتين أن جل اليهود ثلاث فرق، فريق جاهر وأنبذ العهد، وفريق لم يجاهروا بذلك، لكنهم لم يؤمنوا به، وهم أكثرهم، وفريق أخر طرحوا حكم الكتاب عناداً، فصاروا في حكم الجهلة، وهذه القسمة عجيبة الشأن، فإن دافعي الحق ثلاثة أقسام، جاهل غير عالم بجهله، وهو الشرير الذي لا مداواة له، وإياه عنى بقوله: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}، وجاهل عالم بجهله، وهو الشاك وإياه عنى بقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، ومعاند غير جاهل، وإياه عنى بقوله: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ووصف هذا الفريق بأن حكمهم حكم الجاهلين الذين هم فوق الموصوفين بأنهم لا يؤمنون، وكل من دافع الحق لا ينفك من الأقسام الثالثة التي ذكرناهم والله أعلم" (?).

الفوائد:

1. من فوائد الآية: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لقوله تعالى: {من عند الله}.

2. ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرت به الكتب السابقة؛ لقوله تعالى: {مصدق لما معهم}.

3. ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تقرر ما سبق من رسالات الرسل، لقوله تعالى: {مصدق لما معهم}.

4. ومنها: أنه مع هذا البيان والوضوح، فإن فريقاً من الذين أوتوا الكتاب نبذوا هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

5. ومنها: أن نبذ من عنده كتاب وعلم أقبح ممن ليس عنده ذلك؛ ولهذا نص على قوله تعالى: {فريق من الذين أوتوا الكتاب}؛ لإظهار شدة القبح من هؤلاء في نبذهم؛ لأن النبذ مع العلم أقبح من النبذ مع الجهل.

6. ومنها: أن القرآن كلام الله، لأن الله تعالى أضافه إليه في قوله تعالى: {كتاب الله}.

7. ومنها: توكيد قبح ما صنع هؤلاء المكذبون؛ لقوله تعالى: {كأنهم لا يعلمون}؛ لأنهم في الواقع يعلمون؛ ولكن فعلهم كأنه فعل من لم يعلم؛ وكفر من علم أشد من كفر من لم يعلم ..

8. ومنها: أن هذا النبذ الذي كان منهم لا يرجى بعده قبول؛ لقوله تعالى: {وراء ظهورهم}؛ لأن النبذ لو كان أمامهم ربما يتلقونه بعد؛ كذلك لو كان عن اليمين، والشمال، لكن إذا كان وراء الظهر فمعناه استبعاد القبول منهم ..

9. ومنها: شدة كراهية اليهود للقرآن، واستهانتهم به، حيث نبذوه وراء ظهورهم ..

القرآن

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة: 102]

التفسير:

واتبع اليهود ما تُحَدِّث الشياطينُ به السحرةَ على عهد ملك سليمان بن داود. وما كفر سليمان وما تَعَلَّم السِّحر، ولكنَّ الشياطين هم الذين كفروا بالله حين علَّموا الناس السحر؛ إفسادًا لدينهم. وكذلك اتبع اليهود السِّحر الذي أُنزل على الملَكَين هاروت وماروت، بأرض "بابل" في "العراق"؛ امتحانًا وابتلاء من الله لعباده، وما يعلِّم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015