ومنه سمي النبيذ (نبيذا)، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء، ثم يعالج بالماء. وأصله (مفعول) صرف إلى (فعيل)، أعني أن (النبيذ) أصله (منبوذ) ثم صرف إلى (فعيل) فقيل: (نبيذ)، كما قيل: (كف خضيب، ولحية دهين) - يعني: مخضوبة ومدهونة، يقال منه: (نبذته أنبذه نبذا)، كما قال أبو الأسود الدؤلي (?):

نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا

وقال آخر (?):

إن الذين أمرتهم أن يعدلوا ... نبذوا كتابك واستحلوا المحرما

وهذا مثل يضرب لمن استخف بالشيء فلا يعمل به، تقول العرب: اجعل هذا خلف ظهرك، ودبرا منك، وتحت قدمك، أي اتركه وأعرض عنه، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً} [هود: 92]. وأنشد الفراء (?):

تميم بن زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر فلا يعيا علي جوابها

و(الفريق) الجماعة، لا واحد له من لفظه، بمنزلة (الجيش) و (الرهط) الذي لا واحد له من لفظه (?).

قال الرازي: "إنما قال: {نبذه فريق}، لأن في جملة من عاهد من آمن أو يجوز أن يؤمن فلما لم يكن ذلك صفة جميعهم خص الفريق بالذكر، ثم لما كان يجوز أن يظن أن ذلك الفريق هم الأقلون بين أنهم الأكثرون فقال: {بل أكثرهم لا يؤمنون}.

قوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100]، "أي بل أكثر اليهود لا يؤمن بالتوراة الإِيمان الصادق لذلك ينقضون العهود والمواثيق" (?).

قال البيضاوي: " رد لما يتوهم من أن الفريق هم الأقلون، أو أن من لم ينبذ جهاراً فهم مؤمنون به خفاء" (?).

وفي قوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100] قولان (?):

الأول: أكثر أولئك الفساق لا يصدقون بك أبدا لحسدهم وبغيهم.

والثاني: لا يؤمنون: أي لا يصدقون بكتابهم لأنهم كانوا في قومهم كالمنافقين مع الرسول يظهرون لهم الإيمان بكتابهم ورسولهم ثم لا يعملون بموجبه ومقتضاه.

الفوائد:

1 من فوائد الآية: أن اليهود لا يوثق منهم بعهد؛ لأنهم كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم ..

2 ومنها: أن نبذ فريق من الأمة يعتبر نبذاً من الأمة كلها. ما لم يتبرؤوا منه؛ فإن تبرؤوا منه فإنهم لا يلحقهم عاره؛ لكن إذا سكتوا فإن نبذ الفريق نبذ للأمة كلهم؛ وجه ذلك أن الله وبخ هؤلاء على نبذ فريق منهم مع أنهم لم يباشروه ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015