هذه العبارة في كتاب الله، ويسمونه التأكيد ومنهم من يسميه بالصلة، ومنهم من يسميه المقحم، قال ابن جني: كل حرف زيد في كلام العرب، فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى" (?).
والراجح في هذه المسألة: إثبات الزيادة بمعانيها التي وردت لها، وإنه لا يوجد حرف زائد في القرآن، أي دخوله كخروجه، وقد أورد العلماء معاني هذه الحروف على أنها:
- تفيد توكيد العموم: أي توكيد المعنى العام للجملة.
- التنصيص على العموم.
- التوكيد لدفع توهم إرادة الجمع كما في لا.
- توكيد إثبات.
- توكيد نفي.
إلى غير ذلك من المعاني التي سأعرض لها عند تفسير الآيات التي تتضمن حروفاً زائدة وبيان دلالتها من خلال السياق، وإن كل مَنْ يدعى أنه لا زيادة في القرآن بالمعنى الذي ذكرت، إنما يذهب إلى إنزال القرآن منزلة أقل من مستوى كلام العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، وتحداهم وقهرهم وأعجزهم عن أن يأتوا بمثله، فكل زيادة وردت في الكتاب العزيز كان لها معنى ومدلول وسر بلاغي لم يفقهه إلا من تملك ناصية اللغة العربية، وأتقنها شعراً ونثراً وبلاغة، وهؤلاء هم أجلاء أهل العلم والفقه، من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، وإلى قيام الساعة.
ومن ردّ الزيادة بهذه المعاني التي ذكرت بعضها، وبدعوى أنها إساءة إلى كتاب الله تعالى، فقد قام بلي أعناق النصوص والآيات، وتجشم الصعاب متكلفاً ما لا طائل وراءه، وليس يشين كتاب الله إذا نهج على منوال كلام العرب، وسلك مسلكهم في الخطاب، أن تكون فيه هذه الزيادة الرائعة الحبيبة إلى النفس المتأولة تأويلاً سليماً.
و(العهد)، هو الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى، ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى. فوبخهم جل ذكره بما كان منهم من ذلك، وعير به أبناءهم إذ سلكوا منهاجهم في بعض ما كان جل ذكره أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق، فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته، فقال تعالى ذكره: أو كلما عاهد اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدا وأوثقوه ميثاقا، نبذه فريق منهم، فتركه ونقضه (?).
قوله تعالى: {نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة: 100]، أي: " نقضه جماعة منهم" (?).
قال أبو حيان: أي" طرحه، أو نقضه، أو ترك العمل به، أو اعتزله، أو رماه. أقوال خمسة، وهي متقاربة المعنى" (?).
قال البيضاوي: " وإنما قال فريق لأن بعضهم لم ينقض" (?).
ونسبة (النبذ) إلى (العهد)، من المجاز، لأن العهد معنى، والنبذ حقيقة، إنما هو في المتجسدات: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَه فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمِّ} [القصص: 40] [الذاريات: 40]، {إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16]، فنبذ خاتمه، فنبذ الناس خواتيمهم، {لَنُبِذَ بِالْعَرَأَىءِ} [القلم: 49] (?).
و(النبذ) أصله - في كلام العرب - الطرح، ولذلك قيل للملقوط: (المنبوذ)، لأنه مطروح مرمي به (?)، وقال الزمخشري: " و (النبذ): الرمي بالذمام ورفضه" (?).