وقال الراجز (?):
السمع والطاعة والتسليم ... خير وأعفى لبني تميم
قوله: (السمع)، قبول ما يسمع، و (الطاعة) لما يؤمر، فكذلك معنى قوله: (واسمعوا)، اقبلوا ما سمعتم واعملوا به (?).
واختلف المفسرون في قوله تعالى {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93]، على وجهين (?):
أحدهما: أنه صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا. وهذا قول الجمهور (?).
قال الرازي: " الأكثرون من المفسرين (?) اعترفوا بأنهم قالوا هذا القول" (?).
والثاني: إنّهم لم يقولوا هذا بألسنتهم، ولكن لما سمعوا الأمر وتلقوه بالعصيان نسب ذلك عنهم إلى القول أتساعا، ومنه قول الشاعر (?):
ومَنْهَلٍ ذِبَّانُه في غَيْطَلِ ... يَقُلْنَ للرائدِ أعْشَبْتَ انْزِلِ
أي أنهم فعلوا فعلا قام مقام القول، فيكون مجازا، ومن ذلك قول الشاعر (?):
امْتَلأَ الحَوْضُ وَقالَ قَطْنِي ... مَهْلا رُوَيْدا قَدْ مَلأْتَ بَطْني
وقال امرؤ القيس (?):
نواعِمُ يُتْبعنَ الهوى سُبُلَ الردَى ... يقلن لأهل الحِلم ضُلًّا بَتْضلال
قالوا: المعنى: يُضللن ذا الحلم، وليس الغرض حكاية قولهن (?).
قال أبو مسلم: "وجائز أن يكون المعنى سمعوه فتلقوه بالعصيان، فعبر عن ذلك بالقول وإن لم يقولوه كقوله تعالى: {أن يقول له كن فيكون} [البقرة: 177]، وكقوله: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11] " (?).
والراجح هو القول الأول، لأن القول بالمجاز، هو صرف الكلام عن ظاهره بغير الدليل، وهذا لا يجوز. والله أعلم.
قال الرازي: " إن إظلال الجبل لاشك أنه من أعظم المخوفات ومع ذلك فقد أصروا على كفرهم وصرحوا بقولهم {سمعنا وعصينا} وهذا يدل على أن التخويف وإن عظم لا يوجب الانقياد" (?).