و {دماءكم} أي دماء بعضكم؛ لكن الأمة الواحدة كالجسد الواحد؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" (?)، وقال: "ويجير عليهم أقصاهم (?) "" (?).
وفي قوله تعالى: {تَسْفِكُونَ} [البقرة: 84]، ثلاثة أوجه من القراءة:
الأول: {تُسْفِكُونَ}، بكسر الفاء. قراءة الجماعة.
والثاني: وقرأ طلحة بن مصرف {تُسْفِكُونَ}، بضم (الفاء) (?).
قال الثعلبي: " وهما لغتان، مثل: يعرُشون، ويعكُفون" (?).
والثالث: وقرأ أبو مجلز: {تُسَفِّكُونَ}، بالتشديد على التكثير (?).
قال الثعلبي: وإنّما قال {دِماءَكُمْ} [البقرة: 84]، لمعنيين:
أحدهما: إن كلّ قوم اجتمعوا على دين واحد فهم كنفس واحدة.
والآخر: هو أنّ الرجل إذا قتل غيره كأنّما قتل نفسه لأنّه يقاد ويقتصّ منه" (?).
وقوله تعالى: {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُم} [البقرة: 84]، فيه إشكال، وهو أن الإنسان ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه، وإذا كان كذلك فلا فائدة في النهي عنه، والجواب عنه من أوجه وهي (?):
الأول: لا يقتل الإنسان نفسه، ولا يخرج من داره سفها، كما ثبت في أهل بعض دول العالم، أنهم يقدرون في قتل النفس التخلص من عالم الفساد واللحوق بعالم النور والصلاح، أو كثير ممن صعب عليه الزمان، وثقل عليه أمر من الأمور، فيقتل نفسه، من جهد وبلاء يصيبه، أو يهيم في الصحراء ولا يأوي البيوت جهلا في ديانته وسفها في حلمه، فهو عموم في جميع ذلك، فإذا انتفى كون الإنسان ملجأ إلى ترك قتله نفسه صح كونه مكلفا به (?).
والثاني: المراد لا يقتل بعضكم بعضا، وجعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به نسبا ودينا وهو كقوله تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} [البقرة: 54]. وهذا قول أبي العالية (?) والسدي (?). وروي عن قتادة (?)، والربيع بن أنس نحو ذلك (?). واختاره ابن عطية (?).