ولكن لا يلزم أن يكون هذا التفريق الثابت هنا ثابتا أيضا في لفظي المضرة والأذى المذكور في كلام ابن عبد البر، علما بأن الصلة تبدأ من السلام عند اللقاء، أو بمكالمة هاتفية أثناء الغيبة، وبهذا يخرج المرء من إثم الهجرة، ثم تمتد لتشمل كل أنواع البر الأخرى، فمن عجز عن درجة معينة من درجاتها فلا ينبغي أن يعجز عما تتحقق به الصلة في حدودها الدنيا.
أما كيفية التوفيق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا أن يحذيك، وإمَّا أن تبتاع منه، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد ريحًا خبيثة" (?)، وفيه التنفير من مجالسة رفيق السوء وكذلك قوله: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم الحديث، وفيه التنفير من الفساق وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا ـ وبين قول النبي عليه الصلاة والسلام: صل من قطعك ـ وقوله: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ـ ومن المعلوم بأن القاطع للرحم فاسق؟ الصلة لا تستلزم مصاحبة، فالصلة تحصل بكل ما اعتبره العرف صلة كالزيارة والإهداء والاتصال ونحو ذلك، ثم إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان متكئاً فقال: لا، والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرًا" (?)، حديث ضعيف الإسناد وضعفه الألباني , وبالتالي لا يُحتج به في الأحكام (?).
6 ومنها: وجوب الإحسان إلى اليتامى؛ وهو يشمل الإحسان إليهم أنفسهم؛ والإحسان في أموالهم؛ لقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152].
7 ومنها: وجوب الإحسان إلى المساكين؛ وذلك بإعطائهم ما يستحقون من الزكاة، ودفع الضرورة، وما أشبه ذلك.
8 ومنها: وجوب القول الحسن؛ لقوله تعالى: {وقولوا للناس حسناً}؛ وضد القول الحسن قولان؛ قول سوء؛ وقول ليس بسوء، ولا حسن؛ أما قول السوء فإنه منهي عنه؛ وأما القول الذي ليس بسوء، ولا حسن فليس مأموراً به، ولا منهياً عنه؛ لكن تركه أفضل؛ ولهذا وصف الله عباد الرحمن بأنهم: {لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مرُّوا كراماً} [الفرقان: 72]؛ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً؛ أو ليصمت" (?).
9 ومنها: الأمر بإقامة الصلاة على وجه الوجوب فيما لا تصح الصلاة إلا به؛ وعلى وجه الاستحباب فيما تصح الصلاة بدونه وهو من كمالها.
10 ومنها: أن الصلوات مفروضة على من كان قبلنا.
11 ومنها: وجوب إيتاء الزكاة؛ لقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}.
12 ومنها: وجوب الزكاة على من كان قبلنا؛ ولكن لا يلزم أن يكونوا مساوين لنا في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا في مقدار الزكاة، ولا في أهلها الذين تدفع إليهم.
13 ومنها: أن بني إسرائيل مع هذا الميثاق الذي أخذه الله عليهم لم يقوموا به إلا القليل منهم.
14 ومنها: أن تولي بني إسرائيل كان تولياً كبيراً، حيث كان تولياً بإعراض.
15 ومنها: أن المتولي المعرض أشد من المتولي غير المعرض.
16 ومنها: أن التولي قد يكون بإعراض، وقد يكون بغير إعراض؛ لأنه لو كان بإعراض مطلقاً لم يستقم قوله: {وأنتم معرضون}.