وقرأ قوم {إلا قليلٌ} بالرفع، ، ورويت عن أبي عمرو (?).
قال ابن عباس: لما فرض الله جل وعز عليهم - يعني: على هؤلاء الذين وصف الله أمرهم في كتابه من بني إسرائيل - هذا الذي ذكر أنه أخذ ميثاقهم به، أعرضوا عنه استثقالا له وكراهية، وطلبوا ما خف عليهم إلا قليلا منهم، وهم الذين استثنى الله فقال: {ثم توليتم}، يقول: أعرضتم عن طاعتي، {إلا قليلا منكم}، قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي، وسيحل عقابي بمن تولى وأعرض عنها يقول: تركها استخفافا بها" (?).
وذكروا في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} [البقرة: 83]، وجهين من التفسير:
الأول: ثم: أعرضتم عن طاعتي. في رواية الضحاك عن ابن عباس (?).
والثاني: أي: تركتم ذلك كله. في رواية عكرمة عن ابن عباس أيضا (?).
قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83]، " أي: وأنتم أيضًا كأوائلكم في الإعراض عما عُهِد إليكم فيه" (?).
قال ابن عثيمين: "أي توليتم في إعراض" (?).
قال الطبري: أي "وأنتم يا معشر بقاياهم [اليهود]، معرضون أيضا عن الميثاق الذي أخذ عليكم بذلك، وتاركوه ترك أوائلكم" (?).
قال المراغي: " وأنتم في حال الإعراض عنه وعدم الاهتمام بشأنه" (?).
قال الواحدي: " ومعنى (الإعراض): الذهَاب عن المواجهة، إلى جهة العرض" (?).
وفي قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83]، "التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ وفائدته: إدخال الموجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم. أعني التولي؛ و "التولي" ترك الشيء وراء الظهر؛ وهذا أبلغ من الإعراض؛ لأن الإعراض قد يكون بالقلب، أو بالبدن مع عدم استدبار" (?).
قال المراغي: " وفي قوله: {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}، مبالغة في الترك المستفاد من التولي، لأن الإنسان قد يتولى عن شىء وهو عازم على أن يعود إليه ويؤدى ما يجب له، فليس كل من تولّى عن شىء يكون معرضا عنه، وقد كان من توليهم وإعراضهم أن اتخذوا الأحبار والرهبان أربابا مشرّعين يحلّون ويحرّمون، ويبيحون ويحظرون، ويزيدون ما شاءوا من الشعائر والمناسك الدينية، فكأنهم شركاء لله يشرّعون لهم ما لم يأذن به الله، كما كان من توليهم أن بخلوا بالمال في الواجبات الدينية كالنفقة على ذوى القربي وأداء الزكاة، وتركوا النهى عن المنكر إلى نحو ذلك مما يدل على الاستهتار بأمور الدين" (?).
واختلف في الخطاب في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83]، على وجوه (?):
الأول: أنه خبر من الله جل ثناؤه عن يهود بني إسرائيل، بأنهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه، بعدما أخذ الله ميثاقهم على الوفاء له. قاله الطبري (?).