والثاني. وقيل: "أراد بالناس محمدا صلى الله عليه وسلم، كقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]. فكأنه قال: قولوا للنبي صلى الله عليه وسلم حسنا " (?).

قال القرطبي: "فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه: 44]. فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه" (?).

واختلف في نسخ قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة: 83]، على ثلاثة أقوال (?):

الأول: حكى المهدوي عن قتادة أن قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} منسوخ بآية السيف (?)، وحكاه أبو نصر عبدالرحيم عن ابن عباس بأنه قال: "نزلت هذه الآية في الابتداء ثم نسختها آية السيف" (?).

وأخرج ابن أبي حاتم " عن إسماعيل بن أبي خالد: {وقولوا للناس حسنا}، قال: هذه الآية أمر بها قبل أن يؤمر بالجهاد" (?).

والثاني: أن الآبة محكمة، وقولوا جميع الناس حسنا، وحسن القول للكافر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر (?)، وهذا قول عطاء بن أبي رباح (?)، وأبي جعفر المدني (?).

والثالث: وقال آخرون أن هذا خبر من الله تعالى عما خاطب به بني إسرائيل، وعليه فإنه خبر عن الماضي لا يدخل عليه النسخ (?).

قال ابن عطية: "وهذا يدل على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام، وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فلا نسخ فيه" (?).

والراجح -والله أعلم- هو القول الأخير، لأنه أليق بسياق الآية، فالله أخبرنا بما أخذه من الميثاق على بني إسرائيل، وأما المسلمون فليسوا مخاطبين بهذه الآية.

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، على وجهين (?):

الأول: {حُسْنًا}، بالضم والتخفيف، قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر.

والثاني: {حسنا}، بالفتح والتثقيل، قرأ بها حمزة والكسائي (?).

واختلف أهل العربية في الفرق بين معنى قوله: {حُسْنا} و {حَسَنا} على وجهين (?):

الأول: قال بعض البصريين: هو على أحد وجهين: إما أن يكون يراد بـ (الحَسَن) (الحُسن)، وكلاهما لغة، كما يقال: (البُخل والبَخَل)، وإما أن يكون جعل (الحُسن) هو (الحَسن) في التشبيه. وذلك أن الحُسن (مصدر) و (الحَسن) هو الشيء الحسن، ويكون ذلك حينئذ كقولك: (إنما أنت أكل وشرب)، وكما قال الشاعر (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015