اختلف في سبب نزول الآية على أقوال (?):

أحدها: قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود: "من أهل النار". قالوا: نحن، ثم تخلفونا أنتم، فقال: "كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم"، فنزلت هذه الآية (?).

والثاني: روي عن ابن عباس: " كانت يهود يقولون: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة، وإنها سبعة أيام. فأنزل الله في ذلك من قولهم: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} الآية" (?)، وروي عن مجاهد (?) وابن زيد (?)، نحو ذلك.

والثالث: وقيل: أن اليهود قالت إن الله أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوما عدد عبادتهم العجل، فأكذبهم الله، كما تقدم. قاله ابن عباس (?)، وقتادة (?)، وعن السدي (?)، وأبي العالية (?)، والضحاك (?)، نحو ذلك

والرابع: وقيل: زعم اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم. وقالوا: إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك. قاله ابن عباس (?)، وري عن الضحاك (?) مثل ذلك.

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة: 80]، أي قال اليهود"لن ندخل النار إِلا أياماً قلائل" (?).

قال الزمخشري: "أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل" (?).

قال السعدي: " ذكر أفعالهم القبيحة، ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم، ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله، والفوز بثوابه، وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة، أي: قليلة تعد بالأصابع، فجمعوا بين الإساءة والأمن" (?).

وفي (الأيام المعدودة)، قولان (?):

أحدهما: أنها أربعون يوماً، وهذا قول قتادة (?)، والسدي (?)، وعكرمة (?)، وأبي العالية (?)، ورواه الضحاك عن ابن عباس (?).

ومن قال بهذا اختلفوا في تقديرهم لها بالأربعين على وجهين:

الأول: قال بعضهم: لأنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل. روي ذلك عن ابن عباس (?)، وقتادة (?).

والآخر: وقيل: أن اليهود يزعمون أنهم، وجدوا في التوراة مكتوباً، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم، فإذا انقطع المسير انقضى العذاب، وهلكت النار. روي ذلك عن ابن عباس (?)، وهذا قول من قدر (المعدودة) بالأربعين.

والقول الثاني: أن المعدودة التي تمسهم فيها النار سبعة أيام، لأنهم زعموا، أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنهم يُعَذَّبُون عن كل ألف سنة يوماً، وهذا قول مجاهد (?)، ورواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس (?)، وروي عن ابن زيد (?)، نحو ذلك.

قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} [البقرة: 80]، أي: قل با محمد"هل أعطاكم الله الميثاق والعهد بذلك؟ " (?).

قال مجاهد: " موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون؟ " (?).

قال قتادة: " فقال الله: أتخذتم عند الله عهدا بهذا الذي تقولون؟ ألكم بهذا حجة وبرهان" (?). وروي عن الربيع بن أنس (?) نحو ذلك.

قال الحسن: " أي هل عندكم من الله من عهد أنه ليس معذبكم؟ أم هل أرضيتم الله بأعمالكم فعملتم بما افترض عليكم وعهد إليكم" (?).

قال ابن عثيمين: " أي أأخذتم عند الله عهداً أن لا تمسكم النار إلا أياماً معدودة" (?).

قال النسفي: " أي عهد إليكم أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار" (?).

قال أبو السعود: أي هل عندكم من الله" خبَراً أو وعداً بما تزعمون فإن ما تدّعون لا يكون إلا بناءً على وعدٍ قوي ولذلك عَبَّر عنه بالعهد" (?).

واختلف في تفسير (العهد) هنا، على قولين (?):

الأول: أن العهد من الله تعالى في هذه الآية الميثاق والوعد، والمعنى: هل عاهدكم الله على هذا الذي تدعون؟

والثاني: وقال ابن عباس وغيره: "معناه هل قلتم لا إله إلا الله وآمنتم وأطعتم فتدلون بذلك وتعلمون أنكم خارجون من النار؟ " (?). والمعنى: هل أسلفتم عند الله أعمالا توجب ما تدعون؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015