بالآية أن ما أضلّوه وأثبتوه من التأويلات الفاسدة، التي يعتمدها الجهلة، هو اكتساب وزر يكتسبونه باستمرار وكل وقتٍ ومع كل مَن يضله هذا الي صنعوه، فقد صنعوا عملية مستمرة من الضلال والإضلال عبر العصور، و (إن قيل) لم ذكر الكتابة دون القول؟ (قيل) لمّا كانت الكتابة متضمنة للقول وزائدة عليه، إذ هو كذب باللسان واليد، صار أبلغ. ولأن كلام اليد يبقى رسمه وأثره في الهداية أو الإضلال، والقول ربما يضمحل أثره" (?).
الفوائد:
1 من فوائد الآية: الوعيد على الذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله وهم كاذبون.
2 ومنها: أنهم يفعلون ذلك من أجل الرئاسة، والمال، والجاه؛ لقوله تعالى: {ليشتروا به ثمناً قليلاً}؛ وقد ورد الوعيد على من طلب علماً يبتغى به وجه الله لينال عرضاً من الدنيا.
3 ومنها: أن الدنيا كلها مهما بلغت فهي قليل، كما قال تعالى: {قل متاع الدنيا قليل} [النساء: 77].
4 ومنها: أن الجزاء بحسب العمل؛ لقوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم}.
5 ومنها: إثبات العلل، والأسباب؛ لقوله تعالى: {مما كتبت أيديهم}؛ فإن هذا بيان لعلة الوعيد؛ وهذه غير الفائدة السابقة؛ لأن الفائدة السابقة جزاؤهم بقدر ما كتبوا؛ وهذه بيان السبب.
6 ومنها: أن عقوبة القول على الله بغير علم تشمل الفعل، وما ينتج عنه من كسب محرم؛ لقوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}؛ فما نتج عن المحرم من الكسب فإنه يأثم به الإنسان؛ مثلاً: إنسان عمل عملاً محرماً. كالغش. فإنه آثم بالغش؛ وهذا الكسب الذي حصل به هو أيضاً آثم به.
7. ومن الفوائد أيضا، ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، قال شيخ الإسلام: "فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة، على ما أصله من البدع الباطلة، وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله، لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله، مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين، وهذا معنى الكتاب والسنة، وهذا معقول السلف والأئمة، وهذا هو أصول الدين، الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة، لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله. وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة، كالرافضة، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء مع شعبة من حال الأهواء" (?).
والحقيقة أن القرآن بمثل هذا الحديث المتكرر والموثق عن بني إسرائيل وفظائعهم ينبه على أمرين:
أحدهما: أن تاريخ اليهود والنصارى كفرع عنهم هو تاريخ متصل، وما أشبه الليلة بالبارحة.
والثاني: أن الله تعالى يمُنُّ على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ببيان زلات ومهالك ومهاوي الذين من قبلهم حتى يعلوا ما نشأ من شرٍ فيهم فيتداركوه. والحمد لله رب العالمين.
القرآن
{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)} [البقرة: 80]
التفسير:
وقال بنو إسرائيل: لن تصيبنا النار في الآخرة إلا أيامًا قليلة العدد. قل لهم -أيها الرسول مبطلا دعواهم-: أعندكم عهد من الله بهذا، فإن الله لا يخلف عهده؟ بل إنكم تقولون على الله ما لا تعلمون بافترائكم الكذب.