قوله تعالى: {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} [البقرة: 80]، أي: " إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده" (?).
قال أبو السعود: " أي إن كان الأمر كذلك فلن يُخلِفَه" (?).
قال ابن عثيمين: "أي إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلفه؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد" (?).
قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80]، "أي أم تكذبون على الله فتقولون عليه ما لم يقله" (?).
قال قتادة: " قال القوم الكذب والباطل، وقالوا على الله ما لا يعلمون" (?).
وفي إعراب {أم} [البقرة: 80]، قولان (?):
أحدهما: أن تكون معادلة بمعنى أى الأمرين كائن على سبيل التقرير، لأن العلم واقع بكون أحدهما.
قال أبو السعود: " وام متصلةٌ والاستفهام للتقرير المؤدي إلى التبكيت لتحقق العلمِ بالشق الأخيرِ كأنه قيل أم لم تتخذوه بل تتقوّلون عليه تعالى" (?).
والثاني: أن تكون منقطعة بمعنى (بَلى)، وإثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}، أى بلى تمسكم أبدا، بدليل قوله: {هُمْ فِيها خالِدُونَ، والاستفهام لإنكار الاتخاذِ ونفيِه.
قال السعدي: " فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقفة على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما:
الأول: إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا، فتكون دعواهم صحيحة.
والثاني: وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة، فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم.
وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا، لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء، حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم، ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون، قائلون عليه ما لا يعلمون، والقول عليه بلا علم، من أعظم المحرمات، وأشنع القبيحات" (?).
الفوائد:
1 من فوائد الآية: أن اليهود يقرون بالآخرة، وأن هناك ناراً، لقوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة}؛ لكن هذا الإقرار لا ينفعهم؛ لأنهم كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم؛ وعلى هذا ليسوا بمؤمنين.
2 ومنها: أنهم قالوا على الله ما لا يعلمون، إما كذباً، وإما جهلاً؛ والأول أقرب؛ لقوله تعالى: {أم تقولون على الله ما تعلمون.
3 ومنها: حسن مجادلة القرآن؛ لأنه حصر هذه الدعوى في واحد من أمرين، وكلاهما منتفٍ: {أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون}؛ وهذا على القول بأن {أم} هنا متصلة؛ أما على القول بأنها منقطعة فإنه ليس فيها إلا إلزام واحد.
4 ومنها: أن الله سبحانه وتعالى لن يخلف وعده؛ وكونه لا يخلف الوعد يتضمن صفتين عظيمتين هما: الصدق، والقدرة، لأن إخلاف الوعد إما لكَذِب، وإما لعجز؛ فكون الله. جلَّ وعلا. لا يخلف الميعاد يقتضي كمال صدقه، وكمال قدرته.
5 ومنها: أن من دأب اليهود القول على الله بلا علم؛ لقوله تعالى: {أم تقولون على الله ما لا تعلمون}؛ والقول على الله يتضمن القول عليه في أحكامه، وفي ذاته، وصفاته؛ من قال عليه ما لا يعلم بأنه حلَّل، أو حرَّم، أو أوجب، فقد قال على الله بلا علم؛ ومن أثبت له شيئاً من أسماء، أو صفات لم يثبته الله لنفسه فقد قال على الله بلا علم؛ ومن نفى شيئاً من أسمائه وصفاته فقد قال على الله بلا علم؛ ومن صرف شيئاً عن ظاهره من نصوص الكتاب والسنة بلا دليل فقد قال على الله بلا علم.