وأخرج ابن أبي حاتم " عن إبراهيم، أنه كره كتابة المصاحف بالأجر وتلا هذه الآية: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} " (?).
واختلف في سبب وصف (الثمن) بالقليل، في قوله تعالى: {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً} [البقرة: 79]، وذكروا فيه وجهين:
أحدهما: أن الثمن هو عرض الدنيا، ووصفه بالقلة لفنائه، كما قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ}، وهذا قول ابن عباس (?)، وأبي العالية (?).
وسئل الحسن عن قوله: {ثمنا قليلا}، قال: "الثمن القليل الدنيا بحذافيرها" (?).
والثاني: أن الثمن القليل هو الرشا والمآكل التي كانت لهم، ووصفه بالقليل لكونه حراما. روي عن السدي (?) نحوه ذلك.
قال المراغي: " ووصف الثمن بالقلة وقد يكون كثيرا، لأن كل ما يباع به الحق ويترك لأجله فهو قليل، لأن الحق أثمن الأشياء وأغلاها" (?).
فيمكن القول بأن صف الله تعالى ما يأخذونه بالقلة، إما لفنائه وعدم ثباته، وإما لكونه حراما، لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله. قال ابن إسحاق والكلبي: كانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم ربعة أسمر، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا، وكانت للأحبار والعلماء رياسة ومكاسب، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم، فمن ثم غيروا (?).
وقال السعدي: " والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل، فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس، فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق، بل بأبطل الباطل، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما" (?).
وقال الرازي: "أما قوله تعالى: {ليشتروا به ثمنا قليلا} فهو تنبيه على أمرين:
الأول: أنه تنبيه على نهاية شقاوتهم لأن العاقل يجب أن لا يرضى بالوزر القليل في الآخرة لأجل الأجر العظيم في الدنيا، فكيف يليق به أن يرضى بالعقاب العظيم في الآخرة لأجل النفع الحقير في الدنيا.
الثاني: أنه يدل على أنهم ما فعلوا ذلك التحريف ديانةً؛ بل إنما فعلوه طلبا للمال والجاه، وهذا يدل على أن أخذ المال على الباطل وإن كان بالتراضي فهو محرم، لأن الذي كانوا يعطونه من المال كان على محبةٍ ورضا، ومع ذلك فقد نبَّه تعالى على تحريمه" (?).
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79]، "أي: من التحريف والباطل" (?).
قال الصابوني: " أي فشدة عذاب لهم على ما فعلوا من تحريف الكتاب" (?).
قال المراغي: " أي فلهم عقوبة عظيمة من أجل كتابتهم هذا المحرّف" (?).
قوله تعالى: {وَوَيلٌ لَّهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، " وويل لهم من أخذهم الرشوة وفعلهم للمعاصي" (?).