وفي قوله تعالى: {بِأَيدِيهِم} [البقرة: 79]، تأويلان (?):

أحدهما: أنه أراد بذلك تحقيق الإضافة، وإن كانت الكتابة لا تكون إلا باليد، وقد أُكدّت الإضافة بذكر اليد فيما لا يُرادُ باليد فيه الجارحة، كقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71]. ومعناه: مما تولينا عمله، ولما توليت خلقه.

والثاني: أن معنى {بِأَيْدِيهِم}، أي من تلقاء أنفسهم، من غير أن يكون أُنزل عَلَيهم أو على من قبلهم. قاله ابن السراج (?).

قال الواحدي: " وهذا كما يقال للذي يُبدعُ قولًا لَم يُقَلْ قبله: هذا أنت تقوله، يراد بذلك: أنت ابتدعت هذا المذهب وهذا الحكم" (?).

وقال الراغب: وفيها وجهٌ آخر، وهو أن الفعل ضربان: ابتداء، واقتداء، فيُقال فيما كان ابتداء: (هذا مما عملته يدي فلان)، فقوله: {مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} أي مما اخترعوه من تلقائهم، وليس ما أُملى عليهم فكتبوه، وعلى هذا قد يحمل قوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (?).

قوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة: 79]، "أي بعدما كتبوه بأيديهم، وعرفوا أنه من صُنْع أيديهم، يقولون هذا أنزل من عند الله" (?).

قال السعدي: " وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق، وإنما فعلوا ذلك مع علمهم" (?).

قوله تعالى: {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 79]، " أي لينالوا به عرض الدنيا وحطامها الفاني" (?).

قال المراغي: " أي ليأخذوا لأنفسهم في مقابلة هذا المحرّف ثمنا، وهى الرّشى التي كانوا يأخذونها جزاء ما صنعوا" (?).

قال الآلوسي: " أي ليحصلوا- بما أشاروا إليه- غرضا من أغراض الدنيا الدنيئة، وهو- وإن جل- أقل قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العذاب الدائم، وحرموه من الثواب المقيم" (?).

قال ابن عثيمين: أي ليأخذوا به عوضاً قليلاً وهذا العوض القليل هو الرئاسة، والجاه، والمال، وغير ذلك من أمور الدنيا، كما قال تعالى: {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} [النساء: 77]؛ فمهما حصل في الدنيا من رئاسة، وجاه، ومال، وولد، فهو قليل بالنسبة للآخرة؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها" (?) " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015