الله منهم خلافه، فلا يجامع حالة نفاقهم بحالة علمهم بأن الله عالم بذلك والأولى حمل ما يسرون وما يعلنون على العموم، إذ هو ظاهر اللفظ (?).
وقرأ الجمهور {يعلمون} بالياء، وابن محيصن {أولا تعلمون]، بالتاء، خطابا للمؤمنين (?)، وفيه تنبيه لهم على جهلهم بعالم السر والعلانية، وفائدته التنبيه على سماع ما يأتي بعده، ثم أعرض عن خطابهم وأعاد الضمير إلى الغيبة، إهمالاً لهم، فيكون ذلك من باب الالتفات (?).
قوله تعالى: {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77]، "أي ألا يعلم هؤلاء اليهود أن الله يعلم ما يخفون وما يظهرون" (?).
قال الزمخشري: " ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان" (?).
قال الشوكاني: " من جميع أنواع الأسرار وأنواع الإعلان ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان" (?).
قال القاسمي: أي: أن الله يعلم ما: يخفون من قولهم لأصحابهم، ومن غيره وَما يُعْلِنُونَ أي يظهرون من ذلك، فيخبر به أولياءه" (?).
قال السعدي: " فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم، وزعموا أنهم بإسرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين، فإن هذا غلط منهم وجهل كبير، فإن الله يعلم سرهم وعلنهم، فيظهر لعباده ما أنتم عليه" (?).
واختلف في الذي أسروه هؤلاء، على وجوه (?):
أحدها: أن الذي أسرّوه كفرهم، والذي أعلنوه الإيمان. قاله قتادة (?)، وأبو العالية (?)، وروي عن الحسن والربيع نحو ذلك (?).
الثاني: وقيل: العداوة والصداقة.
والثالث: وقيل: قولهم لشياطينهم إنا معكم، وقولهم للمؤمنين آمنا.
والرابع: وقيل: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وتغيير صفته إلى صفة أخرى، حتى لا تقوم عليهم الحجة.
والرابع: كان ما أسرّوا أنهم إذا تولوا عن أصحاب محمد وخلا بعضهم إلى بعض تناهوا أن يخبر أحدهم منهم أصحاب محمد بما فتح الله عليهم في كتابهم خشية أن يحاجهم أصحاب محمد بما في كتابهم عند ربهم ليخاصموهم. قاله الحسن (?).
قال ابن عطية: " والذي أسروه كفرهم، والذي أعلنوه قولهم آمنا، هذا في سائر اليهود، والذي أسره الأحبار صفة محمد صلى الله عليه وسلم والمعرفة به، والذي أعلنوه الجحد به، ولفظ الآية يعم الجميع" (?).