وفي هذه الآية وما أشبهها دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضي عن المنافقين، مع أن الله أظهره على نفاقهم، وذلك رجاء أن يؤمنوا، فأغضى عنهم، حتى قبل الله منهم من قبل، وأهلك من أهلك. واختلف، هل هذا الحكم باق، أو نسخ؟ (?):
أحدها: أنه نسخ، لأنه كان يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم، تأليفاً للقلوب، وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم، فلا حاجة إلى التأليف.
والثاني: أنه باق إلى الآن، لأن أهل الكفر أكثر من أهل الإيمان، فيحتاجون إلى زيادة الأنصار وكثرة عددهم.
والقول الأول هو الأشهر (?). والله أعلم.
قال أبو حيان: "وفي قوله: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}، حجة على من زعم أن الله لا يعلم الجزئيات، بل يعلم الكليات" (?).
الفوائد:
1. من فوئاد الآية: توبيخ اليهود على التحريف؛ لقوله تعالى: {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون.
2. ومنها: إثبات عموم علم الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {يعلم ما يسرون وما يعلنون}
3. ومنها: الوعيد على مخالفة أمر الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {أولا يعلمون أن الله يعلم .. } الآية؛ لأن المقصود بذلك تهديد هؤلاء، وتحذيرهم.
القرآن
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)} [البقرة: 78]
التفسير:
ومن اليهود جماعة يجهلون القراءة والكتابة، ولا يعلمون التوراة وما فيها من صفات نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما عندهم من ذلك إلا أكاذيبُ وظنون فاسدة.
قال القاسمي: " ولما ذكر العلماء من اليهود الذين عاندوا بالتحريف، مع العلم والاستيقان، ذكر العوامّ الذين قلدوهم، ونبّه على أنهم في الضلال سواء. لأن العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامّيّ أن لا يرضى بالتقليد والظن، وهو متمكن من العلم" (?).
قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [البقرة: 78]، أي" من اليهود أميون لا يحسنون القراءة والكتابة" (?).
قال السعدي: " أي: عوام، ليسوا من أهل العلم" (?).
واختلف في الذين نعتهم الله بالأمية في قوله {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [البقرة: 78]، على قولين (?):
أحدهما: أي من اليهود. قاله أبو العالية (?)، والربيع (?)، ومجاهد (?). وهو الظاهر من الآية.
والثاني: من اليهود والمنافقين أميون (?).
قال ابن عطية: " وقول أبي العالية ومجاهد أوجه هذه الأقوال" (?).
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة: {أميون}، بتخفيف (الميم) (?).