قال الطبري: أي" أفلا تفقهون أيها القوم وتعقلون، أن إخباركم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبكم أنه نبي مبعوث، حجة لهم عليكم عند ربكم، يحتجون بها عليكم؟ أي: فلا تفعلوا ذلك، ولا تقولوا لهم مثل ما قلتم" (?).

قال ابن عثيمين: " والمراد به التوبيخ؛ يعني: أين عقولكم؟ ! أنتم إذا حدثتموهم بهذا، وقلتم: إن هذا الذي بُعث حق، وأنه نبي يحاجونكم به عند الله يوم القيامة" (?).

واختلف في الخطاب الموجه في قوله تعالى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 76]، على وجهين (?):

أحدهما: أنه من قول الأحبار للأتباع.

والثاني: أنه خطاب من الله تعالى للمؤمنين.

والقول الثاني هو الصحيح، فهو خطاب من الله تعالى للمؤمنين، أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم بهذه الأحوال، ثم وبخهم توبيخا يتلى فقال: {أَوَلا يَعْلَمُونَ} الآية (?).

الفوائد:

1 من فوائد الآية: أن في اليهود منافقين؛ لقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا .. } إلخ.

2 ومنها: أن من سجايا اليهود وطبائعهم الغدر؛ لقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض .. } إلخ؛ لأن هذا نوع من الغدر بالمؤمنين.

3 منها: أن بعضهم يلوم بعضاً على بيان الحقيقة حينما يرجعون إليهم؛ لقوله تعالى: {وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم}.

4 ومنها: أن العلم من الفتح؛ لقولهم: {بما فتح الله عليكم}؛ ولا شك أن العلم فتح يفتح الله به على المرء من أنواع العلوم والمعارف ما ينير به قلبه.

5 ومنها: أن المؤمن، والكافر يتحاجَّان عند الله يوم القيامة؛ لقولهم: {ليحاجُّوكم به عند ربكم}؛ ويؤيده قوله تعالى: {ثم إنكم بعد ذلك لميِّتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [المؤمنون: 15].

6 ومنها: سفه اليهود الذين يتخذون من صنيعهم سلاحاً عليهم؛ لقولهم: {أفلا تعقلون}.

7 ومنها: الثناء على العقل، والحكمة؛ لأن قولهم: {أفلا تعقلون} توبيخ لهم على هذا الفعل؛ وأنه ينبغي للإنسان أن يكون عاقلاً؛ ما يخطو خطوة إلا وقد عرف أين يضع قدمه؛ ولا يتكلم إلا وينظر ما النتيجة من الكلام؛ ولا يفعل إلا وينظر ما النتيجة من الفعل: قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت" (?).

8 ومنها: أن كفر اليهود بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن علم؛ ولهذا صاروا مغضوباً عليهم.

القرآن

{أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)} [البقرة: 77]

التفسير:

أيفعلون كلَّ هذه الجرائم، ولا يعلمون أن الله يعلم جميع ما يخفونه وما يظهرونه؟

قال الراغب: " هذا تبكيت لهم وإنكار لما يتعاطونه مع تكلمهم أن الله لا يخفى عليه خافية" (?).

قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 77]، "أي ألا يعلم هؤلاء اليهود" (?).

وهو استفهام هنا هنا للتوبيخ، والإنكار عليهم لكونهم نزَّلوا أنفسهم منْزلة الجاهل (?)، والمعنى: إذا كان علم الله محيطاً بجميع أفعالهم، وهم عالمون بذلك، فكيف يسوغ لهم أن ينافقوا ويتظاهروا للمؤمنين بما يعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015