أحدهما: بما علمكم الله.
والثاني: بما قضاه الله لكم وعليكم. قاله عطاء الخراساني (?).
والفتح عند العرب: النصر والقضاء، يقال منه: اللهم افتح بيني وبين فلان، أي احكم بيني وبينه، ومنه قول الشاعر (?):
ألا أبلغ بني عُصُم رسولاً ... بأني عن فِتاحِكُم غنيُّ
ويُقَالُ للقاضي: الفتّاح، ومنه قوله تعالى {رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَينَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89]، أي احكم بيننا وبينهم (?).
قوله تعالى: {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة: 76]، " أي لتكون الحجة للمؤمنين عليكم في الآخرة في ترك اتباع الرسول مع العلم بصدقه" (?).
قال قتادة: " ليحتجوا به عليكم" (?).
قال ابن عثيمين: " أي أن ما حدثتموهم به ستكون عاقبته أن يحاجوكم به عند ربكم" (?).
ويحتمل قوله تعالى: {عِندَ رَبِّكُمْ} [البقرة: 76]، وجهين (?):
أحدهما: أنه معمول لقوله: {ليحاجوكم}، والمعنى: ليحاجوكم به في الآخرة.
والثاني: أن (عند) بمعنى (في)، أي: في ربكم، أي فيكونون أحق به.
والثالث: وقيل: أي ليحاجوكم به عند ذكر ربكم.
والرابع: وقيل معناه: إنه جعل المحاجة في كتابكم محاجة عند الله، ألا تراك تقول هو في كتاب الله كذا، وهو عند الله كذا، بمعنى واحد؟
والخامس: وقيل: هو معمول لقوله: {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}، أي من عند ربكم ليحاجوكم، وهو بعث النبي صلى الله عليه وسلّم، وأخذ ميثاقهم بتصديقه.
قال ابن أبي الفضل: "وهذا القول هو الصحيح، لأن الاحتجاج عليهم هو بما كان في الدنيا" (?).
وضعّفه أبو حيان قائلا: " فبعيد جداً، لأن ليحاجوكم متعلق بقوله: أتحدثونهم، وعند ربكم متعلق بقوله: بما فتح الله عليكم، فتكون قد فصلت بين قوله: عند ربكم، وبين العامل فيه الذي هو: فتح الله عليكم، بقوله: ليحاجوكم، وهو أجنبي منهما، إذ هو متعلق بقوله: أتحدثونهم على الأظهر، ويبعد أن يجيء هذا التركيب هكذا في فصيح الكلام، فكيف يجيء في كلام الله الذي هو أفصح الكلام؟ " (?).
قال أبو حيان: والأولى حمل اللفظ على ظاهره من غير تقديم ولا تأخير، إذا أمكن ذلك، وقد أمكن بجعل قوله: {عِندَ رَبِّكُمْ} على بعض المعاني التي ذكرناها" (?).
قوله تعالى: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 76]، " أي أفليست لكم عقول تمنعكم من أن تحدثوهم بما يكون لهم في حجة عليكم؟ " (?).
قال الواحدي: أي: " أفليس لكم ذهن الإنسانية، هذا من كلام رؤسائهم لهم في لومهم إياهم" (?).
قال السعدي: " أي: أفلا يكون لكم عقل، فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض" (?).