السادس: وقيل: أن معنى قوله: {يهبط من خشية الله}، أي: يوجب الخشية لغيره، بدلالته على صانعه، كما قيل: " ناقة تاجرة "، إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو الناس إلى الرغبة فيها، كما قال جرير بن عطية (?):
وأعور من نبهان، أما نهاره ... فأعمى، وأما ليله فبصير
فجعل الصفة لليل والنهار، وهو يريد بذلك صاحبه النبهاني الذي يهجوه، من أجل أنه فيهما كان ما وصفه به.
قال الطبري: " وهذه الأقوال، وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها، فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها (?).
قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]، أي: وما الله" بتارك عقوبة ما تعملون، بل يجازيكم به" (?).
قال سعيد بن جبير: " يعني بما يكون عليم" (?).
قال الصابوني: " أي أنه تعالى رقيب على أعمالهم لا تخفى عليه خافية، وسيجازيهم عليها يوم القيامة، وفي هذا وعيد تهديد" (?).
قال الطبري: " فأخبرهم تعالى ذكره أنه غير غافل عن أفعالهم الخبيثة، ولا ساه عنها، بل هو لها محص، ولها حافظ" (?).
قال السعدي: " بل هو عالم بها حافظ لصغيرها وكبيرها، وسيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه" (?).
قال أبو السعود: " وعيدٌ شديد على ما هم عليه من قساوة القلوب وما يترتبُ عليها من الأعمال السيئة" (?).
وقال الآلوسي: " وعيد على ما ذكر كأنه قيل: إن الله تعالى لبالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم حافظ لأعمالهم محص لها، فهو مجازيهم بها في الدنيا والآخرة" (?).
وأصل (الغفلة) عن الشيء، "تركه على وجه السهو عنه، والنسيان له" (?).
وقرأ ابن كثير {يعملون} بالياء، والمخاطبة على هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم (?).
الفوائد:
1 من فوائد الآية: لؤم بني إسرائيل الذين جاءتهم هذه النعم ومع ذلك فهم لم يلينوا للحق؛ بل قست قلوبهم على ظهور هذه النعم.
2 ومنها: تشبيه المعقول بالمحسوس في قوله تعالى: {فهي كالحجارة}؛ لأن الحجارة أمر محسوس؛ والقلب قسوته أمر معقول؛ إذ إنه ليس المعنى أن القلب الذي هو المضغة يقسو؛ القلب هو هو؛ لكن المراد: أنه يقسو قسوة معنوية بإعراضه عن الحق، واستكباره عليه؛ فهو أمر معنوي شبه بالأمر الحسي؛ وهذا من بلاغة القرآن تشبيه المعقول بالمحسوس حتى يتبين.
3 ومنها: أن الحجارة أقسى شيء يضرب به المثل.