قال ابن عباس: " وقست قلوبهم بعد ذلك، حتى كانت كالحجارة أو أشد قسوة" (?).

وقرأ أبو حياة: {أو أشد قساوة} (?)، وقال الكسائي: " القسوة والقساوة واحد كالشقوة والشّقاوة" (?).

وفي قراءة الأعمش {أشدَّ}، بنصبِ (الدال)، عطفاً على الحجارة (?).

قوله تعالى {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]، ذكروا في {أو}، من التأويل الصحيح وجوه (?):

أحدها: أنها على جهة الإبهام على المخاطب.

فقالوا: إنما أراد الله جل ثناؤه بقوله: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة}، وما أشبه ذلك من الأخبار التي تأتي ب (أو)، كقوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]، وكقول الله جل ذكره: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] الإبهام على من خاطبه، فهو عالم أي ذلك كان، قالوا: ونظير ذلك قول القائل: أكلت بسرة أو رطبة، وهو عالم أي ذلك أكل، ولكنه أبهم على المخاطب، كما قال أبو الأسود الدؤلي (?):

أُحِبُّ محمداً حُبَّاً شديداً ... وعَبَّاساً وحمزةَ أو عَلِيَّا

فإن يك حبهم رشدا أصبه ... ولست بمخطئ إن كان غيا

قالوا: ولم يشك أبو الأسود، وإنما قصد الإبهام على السامع، وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له: شككت! فقال: كلا والله! ثم انتزع بقول الله عز وجل: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [السبأ: 24] (?)، فقال: أَوَ كان شاكا من أخبر بهذا في الهادي من الضلال.

قال السمين الحلبي: " وإنما قَصَد رحمه الله الإِبهامَ على المخاطب" (?).

والثاني: وقيل: إنما أراد الله تعالى أن فيهم من قلبه كالحجر، وفيهم من قلبه أشد من الحجر، فالمعنى فهي فرقتان كالحجارة أو أشد، ومثل هذا قولك: أطعمتك الحلو أو الحامض، تريد أنه لم يخرج ما أطعمته عن هذين (?).

والثالث: أن (أو) هنا تفيد معنى الإباحة. قاله الزجاج (?).

أي: "شبهوها بالحجارة تصيبوا، أو بأشد من الحجارة تصيبوا" (?).

والرابع: أنها بمعنى (الواو)، أي: وأشد قسوة، كما قال تبارك وتعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} [الإنسان: 24] بمعنى: وكفورا.

ومنه قول جرير بن عطية (?):

نَالَ الْخِلافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّه مُوسَى عَلَى قَدَرِ

يعني: نال الخلافة، وكانت له قدرا، وكما قال النابغة (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015