تُكَذِّبُوهُمْ" (?)، فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكا فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة، التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها، معاني لكتاب الله، مقطوعا بها ولا يستريب بهذا أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل" (?).
الفوائد:
1. من فوائد الآية: أن من شدد على نفسه شدد الله عليه. كما حصل لهؤلاء؛ فإنهم لو امتثلوا أول ما أُمِروا، فذبحوا أيّ بقرة لكفاهم؛ ولكنهم شددوا، وتعنتوا، فشدد الله عليهم؛ على أنه يمكن أن يكون تعنتهم هذا للتباطؤ في تنفيذ الأمر.
2. ومنها: بيان ما يدل أيضاً على تعنتهم؛ وذلك أنهم طلبوا بيان هل البقرة عاملة، أو غير عاملة.
3. ومنها: أن استعمال البقر في الحرث والسقي كان قديماً معروفاً بين الأمم، ولا يزال إلى وقتنا هذا قبل أن تظهر الآلات الحديدية.
4. ومنها: تشديد الله عليهم، حيث أمرهم بذبح بقرة موصوفة بهذه الصفات التي يعز وجودها في بقرة واحدة؛ وذلك بأن تكون متوسطة في السن لا فارضاً ولا بكراً؛ وأن تكون صفراء فاقعاً لونها تسر الناظرين؛ وألا تكون ذلولاً تثير الأرض وتسقي الحرث؛ وأن تكون مسلَّمة ليس فيها شيء من العيوب.
وألا يخالط لونها لون آخر؛ لقوله: (لا شية فيها).
5. ومنها: استهتار بني إسرائيل، حيث قالوا: {الآن جئت بالحق}؛ فكأنهم يقولون: الآن رضينا بوصف هذه البقرة، ثم قاموا بذبحها على مضض؛ وكل هذا يدل على استهتارهم بأوامر الله عزّ وجلّ.
6. ومنها: تذكير بني إسرائيل بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم ببيان الأمر الواقع حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم.
7. ومنها: تأخير ذكر السبب بعد القصة، والمبادرة بذكر النعمة قبل بيان سببها.
القرآن
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)} [البقرة: 72]
التفسير:
واذكروا إذ قتلتم نفسًا فتنازعتم بشأنها، كلٌّ يدفع عن نفسه تهمة القتل، والله مخرج ما كنتم تخفون مِن قَتْل القتيل.
قوله تعالى: {وَإِذ قَتَلْتُمْ نَفْساً} [البقرة 72]، أي" واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسا" (?).
قال الماوردي: " يعني من قتل الإسرائيلي؟ الذي قتله ابن أخيه" (?).
وهذا الكلام مقدم على أول القصة، التقدير: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها، فقال موسى: إن الله يأمركم بكذا. وهذا الأسلوب كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قِيَماً} [الكهف: 1 - 2] أي أنزل على عبده قيما ولم يجعل له عوجا، ومثله كثير في القرآن الكريم (?).
قوله تعالى: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة 72]، أي: فاختلفتم فِيها (?).
قال الطبري: " يعني فاختلفتم وتنازعتم" (?).
قال الزجاج: " أي تدافعتم، أي ألقى بعضكم على بَعْض" (?).