ثم لا يرونها بعد ذلك؛ فتحيلوا على صيدها بحيلة، حيث وضعوا شباكاً يوم الجمعة، فتدخل فيه الحيتان إذا جاءت يوم السبت، ثم يأخذونها يوم الأحد، ويقولون: نحن لم نصدها يوم السبت (?).
وفي اعتدائهم في السبت قولان (?):
أحدهما: أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنهم حبسوها في يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، والسبت هو اليوم المعروف.
وفي تسميته بـ (السبت) أربعة أقاويل (?):
أحدها: أن السبت هو اسم للقطعة من الدهر فسمي ذلك اليوم به، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنه سُمِّي بذلك لأنه سَبَت خَلْق كل شيء، أي قطع وفرغ منه، وهذا قول أبي عبيدة.
والثالث: أنه سُمِّي بذلك، لأن اليهود يَسْبِتُون فيه، أي يقطعون فيه الأعمال.
والرابع: أن أصل السبت، الهدوء والسكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لاستراحته وسكون جسده، كما قال تعالى: ) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتَا (. فَسُمِّي به اليوم لاستراحة اليهود فيه.
قوله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ} [البقرة: 65]، " فقلنا للذين اعتدوا في السبت" (?)
قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، " أي: صيروا كذلك" (?).
قال الصابوني: "أي مسخناهم قردة بعد أن كانوا بشراً مع الذلة والإِهانة" (?).
قال ابن عباس: " فمسخهم الله قردة بمعصيتهم" (?).
قال قتادة: " فصاروا قردة لها أذناب، تعاوى بعد ما كانوا رجالا ونساء" (?).
قال ابن كثير: "يعني أذلة صاغرين" (?).
واختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، على وجهين (?):
الأول: أنهم مُسِخُوا قردةً، فصاروا لأجل اعتدائهم في السبت في صورة القردة المخلوقين من قبل، في الأيام الستة. قاله ابن عباس (?)، وقتادة (?)، والسدي (?).
قال ابن عباس: "لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل" (?).
والثاني: أنهم لم يمسخوا قردة، وإنما مسخت قلوبهم، وهو مَثلَ ضربه الله لهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً} [الجمعة: 5]. قاله مجاهد (?). واعترض عليه الطبري (?) وابن كثير (?).
وقال ابن كثير: "وهذا قول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} الآية [المائدة: 60] " (?).