قال الزجاج: " أي لولا أنْ منَّ اللَّه عليكم بالتوبة بعد أن كفرتم مع عظيم هذه الآيات، {لكنتم من الخاسرين} " (?).

قال الواحدي: الخسران): " ذهاب رأس المال، وهو هاهنا هلاك النفس، لأنها بمنزلة رأس المال" (?).

وذكر القفال في تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64]، وجهين (?):

الأول: لولا ما تفضل الله به عليكم من إمهالكم وتأخير العذاب عنكم لكنتم من الخاسرين أي من الهالكين الذين باعوا أنفسهم بنار جهنم فدل هذا القول على أنهم إنما خرجوا عن هذا الخسران لأن الله تعالى تفضل عليهم بالإمهال حتى تابوا.

والثاني: أن يكون الخبر قد انتهى عند قوله تعالى: {ثم توليتم من بعد ذالك} ثم قيل: {فلولا فضل الله عليكم ورحمته} رجوعا بالكلام إلى أوله، أي لولا لطف الله بكم برفع الجبل فوقكم لدمتم على ردكم الكتاب ولكنه تفضل عليكم ورحمكم فلطف بكم بذلك حتى تبتم.

واختلف أهل العلم في مخرج الخطاب في الآية الكريمة على أقوال (?):

أحدها: قالوا: وإن كان خطابا لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما هو خبر عن أسلافهم، فأخرج الخبر مخرج المخبر عنهم - على نحو ما قد بينا فيما مضى، من أن القبيلة من العرب تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره، بما مضى من فعل أسلاف المخاطِب بأسلاف المخاطَب، فتضيف فعل أسلاف المخاطِب إلى نفسها، فتقول: فعلنا بكم، وفعلنا بكم.

قال ابن عطية: " الجمهور على أن المراد بالمعنى من سلف" (?).

والثاني: أن الخطاب في هذه الآيات، إنما أخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين به، والفعل لغيرهم، لأن المخاطبين بذلك كانوا يتولون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل، فصيرهم الله منهم من أجل ولايتهم لهم.

والثالث: وقال بعضهم: إنما قيل ذلك كذلك، لأن سامعيه كانوا عالمين - وإن كان الخطاب خرج خطابا للأحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب - أن المعنى في ذلك إنما هو خبر عما قص الله من أنباء أسلافهم. فاستغنى بعلم السامعين بذلك، عن ذكر أسلافهم بأعيانهم. ومثل ذلك يقول الشاعر (?):

إذ ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أن تقري به بدا

فقال: (إذا ما انتسبنا)، و (إذا) تقتضي من الفعل مستقبلا ثم قال: (لم تلدني لئيمة)، فأخبر عن ماض من الفعل. وذلك أن الولادة قد مضت وتقدمت. وإنما فعل ذلك - عند المحتج به - لأن السامع قد فهم معناه. فجعل ما ذكرنا - من خطاب الله أهل الكتاب الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإضافة أفعال أسلافهم إليهم - نظير ذلك.

والقول الأول، هو الصحيح، وهو المستفيض من كلام العرب وخطابها (?). والله أعلم.

الفوائد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015