التفسير:
ثم خالفتم وعصيتم مرة أخرى، بعد أَخْذِ الميثاق ورَفْع الجبل كشأنكم دائمًا. فلولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته بالتوبة، والتجاوز عن خطاياكم، لصرتم من الخاسرين في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 64]، أي: "ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به" (?).
قال الثعلبي: " أعرضتم وعصيتم، من بعد أخذ الميثاق ورفع الجبل" (?).
قال الواحدي: " أي: أعرضتم عن أمر الله وطاعته" (?).
قال الطبري: " ثم أعرضتم. [و] تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجد واجتهاد، بعد إعطائكم ربكم المواثيق على العمل به، والقيام بما أمركم به في كتابكم، فنبذتموه وراء ظهوركم" (?).
قال السعدي: " وكان ذلك موجبا لأن يحل بكم أعظم العقوبات" (?).
قال ابن عطية: " تولّى تفعّل، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا. وتوليهم من بعد ذلك: إما بالمعاصي، فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها، وإما أن يكون توليهم بالكفر فكان فضل الله بأن لم يعاجلهم بالإهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن، أو يكون المراد من لحق محمدا صلى الله عليه وسلم" (?).
وذكر الواحدي بأن (التولي) في اللغة يستعمل على ثلاث معان (?):
أحدها: الإعراض، كالذي في هذه الآية، ومعناه: أعرضتم وعصيتم، ومثله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد: 38]، أي تعرضوا عن الإسلام.
والثاني: الإتباع، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، معناه: من يتبعهم وينصرهم.
والثالث: ويقال: توليت الأمر توليا، إذا وليته بنفسك، قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11]، أي: ولي وزر الإفك وإشاعته.
قوله تعالى: {فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 64]، أي: "فلولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة " (?).
قال الزمخشري: بتوفيقكم للتوبة" (?).
قال الصابوني: أي بقبول التوبة" (?).
وقال الثعلبي: " بتأخير العذاب عنكم" (?).
قال أبو العالية: " {فضل الله}، الإسلام، {ورحمته}، القرآن" (?). وروي عن الربيع مثل ذلك (?).
قوله تعالى: {لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} [البقرة: 64]، " أي لكنتم من الهالكين في الدنيا والآخرة" (?).
قال الثعلبي: أي: "لصرتم من المغلوبين بالعقوبة وذهاب الدّنيا والآخرة" (?).