ومن هذا المعنى قوله تعالى عن يوسف – عليه السلام – {وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين} [يوسف: 33].
قال بعض العلماء: وسمى القوم بذلك؛ لأنهم مالوا عن كل دين إلى دين عبادة النجوم ... أو مالوا عن سنن الحق وزاغوا عن نهج الأنبياء (?).
القول الثالث: ذهب (جسنيوس) العالم اللغوي الألماني إلى أن الكلمة صابئين مشتقة من (صباؤوث) العبرانية، أي جند السماء دلالة على أنهم يعبدون الكواكب. وذهب نولدكي إلى أنها مشتقة من صب الماء إشارة إلى اعتمادهم بالماء لأنهم يعتمدون كالنصارى، وقال غيره أن الديانة المسيحية اتصلت ببقية الكلدانيين فنشأ منهم مسيحيو " مار يوحنا) في البصرة وهم الصابئون (?).
القول الرابع: إن الكلمة لاتفيد معنى خاصاً وإنما هي منسوبة إلى أحد الأشخاص يسمى صبائاً، واختلف أصحاب هذا القول في تحديد هذا الشخص بين اثنين:
أ- صابيء متوشلخ (متوشالح) حفيد النبي إدريس – عليه الصلاة والسلام –.
ب- صابيء بن ماري، الذي ظهر في زمن الخليل عليه السلام (?).
وقد أنكر هذا القول المسعودي، ونسب هذه التسمية لرجل في الهند ظهر زمن الملك (طمهوث بن نويجهان) ودعى الناس إلى عبادة الكواكب لأنها المتصرفة في الكون.
هذه هي بعض الأقوال التي تحدثت عن أصل اشتقاق كلمة (الصابئة) ولعلنا نلحظ أن الأقوال السابقة بينها ترابط، وذلك من خلال أن الشخص الذي صبأ وخرج عن دينه إلى دين آخر، هو في الحقيقة لم يصنع ذلك إلا لما مال قلبه إلى ذلكم الدين الجديد، ثم اغتسل بالماء إعلاناً منه الخروج عن الدين الأول، وتمسكه بأبرز سماة الدين الجديد ألا وهو عبادة الكواكب.
وقد قص الله علينا في كتابه قصص السابقين، وأديان الأمم الماضية، ومما أشار إليه القرآن في هذا الشأن ذكر الصابئين، وقد ذكرهم الله تعالى في ثلاث مواضع من كتابه العزيز وهي على النحو التالي:
الموضع الأول: قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
الموضع الثاني: قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69].
الموضع الثالث: قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17].
وقد اختلفت عبارات المفسرون في تفسير معنى (الصابئة) على أقوال:
الأول: أنهم قوم بين المجوس واليهود والنصارى، وليس لهم دين. قاله مجاهد (?)، وعطاء (?).
والثاني: أنهم منزلة بين اليهود والنصارى. قاله سعيد بن جبير (?).
والثالث: قبيلة بين المجوس واليهود، ولاتؤكل ذبائحهم ولاتنكح نساؤهم. قاله الحسن (?)، ومجاهد (?)، وابن أبي نجيح (?).