سَعى الأَعداءُ لا يَألونَ شَرّاً ... عَلَيكَ وَرَبِّ مَكَّةَ وَالصَليبِ

قوله تعالى: {وَالصَّابِئِينَ} [البقرة: 62]، أي: "والصابئين-وهم قوم باقون على فطرتهم، ولا دين مقرر لهم يتبعونه-" (?).

قال البيضاوي: " قوم بين النصارى والمجوس" (?).

قال النسفي: أي"الخارجين من دين مشهور إلى غيره، من صبأ إذا خرج من الدين، وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة" (?).

وقوله تعالى: {الصَّابِئِينَ} [البقرة: 62]، فيه قراءتان (?):

أحدهما: {الصَّابِينَ} و {والصّابون}، بترك الهمزة، قرأ بها أهل المدينة في جميع القرآن.

والثاني: وقرأ الباقون: {الصَّابِئِينَ} و {والصَّابِئُونَ}، بالهمزة وهو الأصل.

قال الثعلبي: يقال: صبا يصبوا صبوءا، إذا مال وخرج من دين إلى دين" (?).

وقد اختلف العلماء في {الصَّابِئِينَ}، ولعل من أسباب الاختلاف حول حقيقة الصابئة مايلي:

1 - ورود التعاليم الصابئية باللغة الآرامية؛ مما أدى إلى اقتصار جماعة محدودة من رجال الدين والمهتمين بأمره على فهم التعاليم الصابئية، بينما ظلت هذه التعاليم بالنسبة للآخرين – بما في ذلك اتباع الطائفة – رهن السماع والملاحظة، وهما لايغنيان شيئاً عن قراءة النصوص قراءة مباشرة (?).

2 - انطواء الصابئين على أنفسهم، وعدم مخالطتهم بغيرهم، وكتمان عقيدتهم، وانغلاقهم عليها، لأنهم لايرون أن دينهم تبشيرياً يقومون بالدعوة إليه والتعريف به، بل على عكس ذلك (?).

3 - اصطناع التقية حيث يبدون تعاطفاً مع أتباع جميع الملل والنحل معتمدين على أوجه التشابه بينهم وبين أتباع هذه الملل والنحل، مما جعل من الصعب كشف الستار عن بواطن معتقداتهم وشعائرهم (?).

4 - كثرة الملل والأهواء والنحل التي ظهرت في العصر العباسي الذي يعد العهد الذهبي للتأليف والترجمة؛ مما سبب صعوبة في التمييز بين تلك الملل والنحل بشكل كبير، ساعد على ذلك انتحال فئات أخرى من غير الصابئين اسمهم والتشبه بهم (?).

كما اختلف العلماء في أصل كلمة (صابئة) مما أدى إلى اختلافهم في المراد من ذلك، ويمكن إجمال أقوالهم فيما يلي:

القول الأول (بالهمز): إن الكلمة عربية تفيد معنى الخروج والتحول والانتقال من دين إلى آخر، مأخوذة من قول العرب: صبأ ناب البعير إذا طلع حده وخرج، وتصبأ النجوم أي تخرج من مطالعها، والصابيء: المستحدث سوى دينه، وكل خارج من دين كان عليه إلى دين آخر، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه، وجمع الصابيء: صابئون، وصُبَّاء، وصابئة، صَبَأة، ويعرفون في العراق باسم الصُبَّة.

والفعل (صبأ) يأتي على فَعَلَ، كـ (منع)، ويأتي على وزن فَعُلَ، كـ (كَرُمَ).

وتقول: صبأ يصبأ، وصَبُؤَ، كلاهما يدل على الخروج والبروز، وهذا القول عليه جمهور أهل اللغة (?).

القول الثاني (بغير الهمز): إن الكلمة عربية تفيد معنى الميل والنزع، تقول أصبا إلى الشيء يصبو إذا مال قلبه إليه، ونزع واشتاق وفعل فعل الصبيان، وقد يقال صبا الرجل إذا عشق وهوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015