الأول: أنه طائر ناعم يسمى (السُّمَانَى)، قاله ابن عباس (?)، وعامر (?)، والضحاك (?).
والثاني: أنه طائر شبيه بالسّماني. قاله ابن عباس (?)، والسدي (?)، والربيع (?).
قال ابن عثيمين: وهو "من أحسن ما يكون من الطيور، وألذه لحم" (?).
والثالث: أنه طائر سمين، يشبه الحمام. قاله وهب (?).
والرابع: أنه العسل (?)، بلغة كنانة، وسمي به لأنه يسلى به، ومنه عين السلوان. قاله المؤرج، أحد علماء اللغة والتفسير، وأنشد قول رؤبة (?):
لو أشرب السلوان ما سليت ... ما بي غنى عنك وإن غنيت
واختاره أبو عبيد (?)، مستشهدا ببيت خالد بن زهير الهذلي (?):
وَقَاسَمَها بالله جَهْدًا لَأَنْتُمُ ... أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا
قال أبو إسحاق: "السلوى طائر، وغلط خالد بن زهير، وظن أنه العسل" (?).
قال أبو علي: "والذي عندي في ذلك: أن السلوى كأنه ما يسلي عن غيره لفضيلة فيه، من فرط طيبه، أو قلة علاج ومعاناة، العسل لا يمتنع أن يسمى سلوى لجمعه الأمرين كما يسمى الطائر الذي كان يسقط مع المن به" (?).
قال الواحدي: "والسلوى بمعنى العسل صحيح في اللغة، وإن أنكره أبو إسحاق، ولكن الذي في الآية المراد به الطائر، لإجماع أهل التفسير عليه" (?).
وقال الجوهري: والسلوى العسل وذكر بيت رؤبة السابق (?)، وقال بعضهم السلوان دواء يسقاه الحزين فيسلو والأطباء يسمونه المفرح يقال: سليت وسلوت لغتان، وهو في سلوة من العيش أي في رغد (?).
قال ابن عطية، " {وَالسَّلْوى}، طير بإجماع من المفسرين" (?)، فقاله ابن عباس (?)، وعامر (?)، والضحاك (?)، وقتادة (?)، ومجاهد (?)، والسدي (?)، والربيع (?)، ووهب (?)، وابن زيد (?)، وعكرمة (?)، وهو طائر (السُّمَانَى) الذي فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم، وبهذا قال أكثر أهل العلم (?).
وقد رد القرطبي على ابن عطية في تخطئته للهذلي، فقال: وما ادعاه من الإجماع لا يصح." (?)، ثم استشهد بقول "المؤرج، والجوهري" (?)، من أن (السلوى) يأتي بمعنى العسل في اللغة.
واختلف أهل اللغة في {السلوى} [البقرة: 57]، هل هو جمع أو مفرد:
القول الأول: أنه جمع لا واحد له من لفظه مثل الخير والشر، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى مثل جماعته كما قالوا: دفلى للواحد والجماعة وسمانى وشكاعى في الواحد والجميع، وقال الخليل: واحده سلواة وأنشد (?):
وَإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ السَّلْواةُ مِنْ بَلَلِ الْقَطْرِ
وهذا مذهب الأخفش (?)، والفراء (?).
القول الثاني: أن (السلوى) واحدة وجمعه سلاوى، وهذا مذهب الكسائي (?).
وقد اختلف الروايات في سبب تظليل الله جل ثناؤه الغمام، وإنزاله المن والسلوى على هؤلاء القوم؟
وأقرب الروايات أنه: "لما تاب الله على قوم موسى، وأحيا السبعين الذين اختارهم موسى بعد ما أماتهم، أمرهم الله بالسير إلى أريحا، وهي أرض بيت المقدس. فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا. فكان من أمرهم وأمر الجبارين وأمر قوم موسى، ما قد قص الله في كتابه، فقال قوم موسى لموسى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، فغضب موسى فدعا عليهم فقال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25]، فكانت عَجْلَةً من موسى عجلها، فقال الله تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26]، فلما ضرب عليهم التيه، ندم موسى، وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه فقالوا له: ما صنعت بنا يا موسى؟ فلما ندم، أوحى الله إليه: أن لا تأس على القوم الفاسقين - أي لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين - فلم يحزن، فقالوا: يا موسى كيف لنا بماء ههنا؟ أين الطعام؟ فأنزل ألله عليهم المن - فكان يسقط على شجر الترنجبين - والسلوى وهو طير يشبه السمانى فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير، إن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه. فقالوا: هذا الطعام، فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فشرب كل سبط من عين. فقالوا: هذا الطعام والشراب؟ فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام. فقالوا: هذا الظل، فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان، ولا يتخرق لهم ثوب، فذلك قوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا