يقول القشيري: " فإن قيل: فهل تجوز رؤية الله في الأبصار في الدنيا على جهة الكرامة؟ فالجواب عنه: أن الأقوى فيه أنه لا يجوز، لحصول الإجماع عليه" (?).
ويقول الكلاباذي: " ولا نعلم أحدا من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم، ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم زَعَمَ أن الله تعالى يرى في الدنيا .. وقد أطبق المشايخ كلهم على تضليل من قال ذلك، وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتبا، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعى ذلك لم يعرف الله عز وجل وهذه كتبهم تشهد على ذلك" (?).
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أنه لا يرى أحد ربه فى الدنيا إلا ما كان من الخلاف فى رؤية النبي ربه فى المعراج، والله تعالى أعلم وبالله التوفيق.
الفوائد:
1 من فوائد الآية: تذكير الله تعالى بني إسرائيل بنعمته عليهم، حيث بعثهم من بعد موتهم.
2. ومنها: سفاهة بني إسرائيل؛ وما أكثر ما يدل على سفاهتهم؛ فهم يؤمنون بموسى، ومع ذلك قالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}.
3. ومنها: أن من سأل ما لا يمكن فهو حري بالعقوبة؛ لقوله تعالى: {فأخذتكم الصاعقة}؛ لأن الفاء تدل على السببية. ولا سيما في مثل حال هؤلاء الذين قالوا هذا عن تشكك؛ وفرْق بين قول موسى عليه السلام: {رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143]، وبين قول هؤلاء: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}؛ فموسى قال ذلك شوقاً إلى الله عزّ وجلّ، وليتلذذ بالرؤية إليه؛ أما هؤلاء فقالوه تشككاً. يعني: لسنا بمؤمنين إلا إذا رأيناه جهرة؛ ففرق بين الطلبين.
4. ومنها: أن ألم العقوبة، ووقعها إذا كان الإنسان ينظر إليها أشد؛ لقوله تعالى: {وأنتم تنظرون}؛ فإن الإنسان إذا رأى الناس يتساقطون في العقوبة يكون ذلك أشد وقعاً عليه.
القرآن
{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)} [البقرة: 56]
التفسير:
ثم أحييناكم مِن بعد موتكم بالصاعقة؛ لتشكروا نعمة الله عليكم، فهذا الموت عقوبة لهم، ثم بعثهم الله لاستيفاء آجالهم.
قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ} [البقرة: 56]، أي " ثمّ أحييناكم" (?).
قال قتادة: " ثم بعثهم الله تعالى، ليكملوا بقية آجالهم" (?).
وقال الربيع بن أنس: " فبعثوا من بعد موتهم، لأن موتهم ذاك كان عقوبة لهم، فبعثوا لبقية آجالهم " (?).
واختلف أهل العلم في أصل (البعث) على أربعة أقوال (?):
الأول: أن أصله: إثارة الشيء من محله (?)، يقال: بعثت الناقة: أثرتها، أي حركتها، قال امرؤ القيس (?):
وفتيان صدق قد بعثت بسحرة ... فقاموا جميعا بين ونشوان
وقال عنترة (?):
وصحابة شم الأنوف بعثتهم ... ليلا وقد مال الكرى بطلاها