وعن الوليد بن مسلم، يقول: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية , فقالوا: "أمروها بلا كيف" (?).
وقال الإمام الطحاوى رحمه الله: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]، وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول فهو كما قال ومعناه على ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه (?).
وقال الإمام الأصبهانى الملقب "بقوام السنة": مذهب أهل السنة أن الله عز وجل يكرم أولياءه بالرؤية، يرونه بأعينهم كما شاء فضلاً منه ومنة (?).
قال الإمام الأشعري: وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما أخبر به تعالى في قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (?).
قال الإمام أبو بكر الإسماعيلى: ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة، دون الدنيا. (?).
قال الإمام ابن القيم: وأما الأحاديث عن النبي وأصحابه الدالة على الرؤية، فمتواترة رواها عنه أبو بكر الصدّيق، وأبو هريرة الدوسي، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، .. ثم ساق نحواً من ثلاثين اسماً للصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
إلى أن قال رحمه الله: فصل: وأما التابعون، ونزل الإسلام، وعصابة الإيمان منهم أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة التَّصوُّف، فأقوالهم أكثرُ من أن يُحيط بها إلاَّ الله عزَّ وجلَّ .. ثم ساق الآثار والأقوال عن سعيد بن المسيب، والحسن البصرى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وطاووس، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش وسعيد بن جبير، وكعب الأحبار، وأبي إسحاق السبيعي، وعلي بن المديني، وعبد الله بن المبارك، وشريك بن عبد الله، والأئمة الأربعة – أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد -، والأوزاعي وسفيان الثوري والليث بن سعد وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجَّراح وقتيبة بن سعيدٍ، وأبي عبيدٍ القاسم بن سلام، وغيرهم، ثم ساق قول جميع أهل اللغة (?).
هذه كانت أهم الأقوال والمذاهب فى مسألة الرؤية إلا أن هناك مذهب رابع، وهو لبعض المتصوفة، يقولون بأن الله تعالى يرى في الدنيا عياناً كما يرى فى الآخرة عياناً.
ولايوجد أي دليل شرعي يستند عليه من زعم الرؤية لهم بالبصر، بل الأدلة على نقيضه تماماً، فهذا نبي الله موسى عليه السلام عندما سأل الله جل وعلا رؤيته {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، أي: " وليس لبشر أن يطيق أن ينظر إلي في الدنيا" (?)، أفهم خيرٌ من موسى عليه السلام، أم أشد من الجبل الذي قال تعالى فيه {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]، أي: مستويا بالأرض" (?)، {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]، أي: " مغشيا عليه" (?)، كما يرد عليهم بحديث النبي " تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ " (?)، ففي هذا دلالة على أن الله جل وعلا لا يرى في الدنيا.