انتهت إليه إلى معرفة السبب الداعي لهم إلى قيل ذلك. وقد قال الذين أخبرنا عنهم الأقوال التي ذكرناها، وجائز أن يكون بعضها حقا كما قال" (?).

وتجدر الإشارة بأن أهل السنة والجماعة أجمعوا بأن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ممكنة وقد جاء الوعد بها صريحا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه ما نصه "نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت بها الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب" (?) إلى أن قال: "وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح وقد تلقاها السلف والأئمة بالقبول واتفق عليها أهل السنة والجماعة وإنما يكذبها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة" (?).

وقد اختلف الناس فى مسألة رؤية الله تعالى عياناً فى الآخرة على ثلاثة مذاهب: -

أولاً: مذهب نفات الرؤية:

ذهب المعتزلة والجهمية ومن تبعهم من الخوارج والإمامية وبعض الزيدية وبعض المرجئة، إلى نفي رؤية الله تعالى عياناً في الدنيا والآخرة، وقالوا: باستحالة ذلك عقلا؛ لأنهم يقولون إن البصر لا يدرك إلا الألوان والأشكال، أي ما هو مادي والله تعالى ذات غير مادية، فمن المستحيل إذن أن يقع عليه البصر، فالقول برؤية الله تعالى هدم للتنزيه وتشويه لذات الله وتشبيه له حيث إن الرؤية لا تحصل إلا بانطباع صورة المرئي في الحدقة، ومن شرط ذلك انحصار المرئي في جهة معينة من المكان حتى يمكن اتجاه الحدقة إليه، ومن المعلوم علم اليقين أن الله تعالى ليس بجسم ولا تحده جهة من الجهات ولو جاز أن يرى في الآخرة لجازت رؤيته الآن، فشروط الرؤية لا تتغير في الدنيا والآخرة (?)، واستدلوا على هذا بالسمع والعقل:

فمن جهة السمع:

الدليل الأول:

- قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، قالوا: أنه نفى أن يدرك بالأبصار، وقد علمنا أن الإدراك إذا قرن بالبصر أفاد ما تفيده رؤية البصر، لانه متى قرن به زال الاحتمال عنه، فاختص بفائدة واحدة وهي الرؤية بالبصر، وذلك بمنزلة قوله لو قال: لا تراه الأبصار، فثبت أنه نفى عن نفسه إدراك البصر فيتناول جميع الأبصار في جميع الأوقات (?).

وأجيب عليهم: بأنَّ هذا غلط كبير؛ لأنَّ نَفْيَ الإدراك لا يستلزم انتفاء الرؤية، فإنَّه قد ترى الشيء ولا تدركه؛ يعني لا تحيط به، فهذه السماء نراها ولا أحد يشك في أنه يرى السماء، ولو قلت لأي أحد يرى السماء: هل تدرك السماء رؤية وتحيط بها؟ فسيكون جواب كل أحد: لا، يعني لا يدركها رؤية، وإنما يرى منها ما يمكنه أن يرى وكما قال عز وجل: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [الشعراء: 61 - 62]، ووجه الدلالة أنَّهُ نفى الإدراك، ومع نَفْيِ الإدراك أثبت الله - عز وجل - الترائي وهو رؤية كل جمع لآخر فقال) فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ (هذا الجمع رأى الجمع وذاك الجمع رأى الجمع ومع ذلك {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} فقال موسى {كَلَّا} يعني لن نُدْرَكْ يعني لن يُحاطَ بنا.

فنَفْيُ الإحاطة لا يستلزم أن تُنْفَى الرؤية؛ بل نَفْيُ الإحاطة يستلزم إثبات الرؤية نقيض ما قالوا، .. و .. الوجه الثاني من الاستدلال عليهم بهذه الآية أنَّ نفي الإدراك ليس كمالاً، والقاعدة المعروفة أنَّ كل نفي في القرآن فكماله بإثبات ضده، فربنا - عز وجل - قال {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، وذلك لكمال سعته سبحانه وتعالى وكمال علوه وكمال استغناه عن خلقه، إلى غير ذلك من أفراد صفات الجلال للرب - عز وجل-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015