القرآن

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)} [المائدة: 11]

التفسير:

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اذكروا ما أنعم الله به عليكم من نعمة الأمنِ، وإلقاءِ الرعب في قلوب أعدائكم الذين أرادوا أن يبطشوا بكم، فصرفهم الله عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم، واتقوا الله واحذروه، وتوكلوا على الله وحده في أموركم الدينية والدنيوية، وثِقوا بعونه ونصره.

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: أن النبي خرج إلى يهود بني النضير، يستعين بهم في دية، فهمّوا أن يقتلوه، فنزل ذلك فيه، وهذا قول قتادة (?)، وأبي مالك (?)، ومجاهد (?)، وعبدالله بن كثير (?)، ويزيد بن أبي زياد (?)، وعكرمة (?)، وذكره مقاتل (?).

وأخرج الطبري عن ابن عباس: " أن قوما من اليهود صَنَعوا لرسول الله وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام، فأوحى الله إليه بشأنهم، فلم يأتِ الطعام، وأمرَ أصحابه فلم يأتوه" (?).

قال ابن عطية: " أدخل الطبري تحت هذه الترجمة عن ابن عباس خلاف ما ترجم به من أن قوما من اليهود صنعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام، فيشبه أن ابن عباس إنما وصف قصة بني النضير المتقدمة" (?).

والثاني: روي عن قتادة قوله: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسُطوا إليكم أيديهم ..... } الآية، ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببَطْنِ نخل في الغَزْوة السابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتِكوا، فأطلعه الله على ذلك. ذكر لنا أن رجلا انتدب لقتله، فأتى نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وسيفُه موضوع، فقال: آخذه، يا نبي الله؟ قال: خذه! قال: أستلُّه؟ قال: نعم! فسلَّه، فقال، من يمنعك منِّي؟ قال: الله يمنعُني منك! . فهدّده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول، فشامَ السَّيف وأمر نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه بالرحيل، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك " (?). [ضعيف]

وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري: "أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به، قال فأقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: «نعم»، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه ويهم به، فكبته الله - عز وجل - ثم قال: يا محمد ما تخافني؟ قال: «لا»، قال: ألا تخافني وفي يدي السيف؟ قال: «يمنعني الله منك»، ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى: {اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} " (?). [ضعيف]

وفي السياق نفسه قال الضحاك: "كان سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة إلى البقيع إلى قبور الشهداء وحده، فأتاه رجل من اليهود شديد محارب، فقال: إن كنت نبيا كما تزعم فأعطني سيفك هذا، فإن الأنبياء لا يبخلون، فأعطاه سيفه فشهر اليهودي السيف وهزه ليضربه به. فلم يجترئ للرعب الذي قذفه الله تعالى في قلبه، ثم رد عليه السيف فنزل: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم} " (?).

قال القرطبي: " وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه أسلم. وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات" (?).

قال ابن كثير: " وقصة هذا الأعرابي - وهو غَوْرَث بن الحارث - ثابتة في الصحيح" (?).

والثالث: أنها نزلت في حق اليهود حين ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول ابن زيد (?).

والرابع: وحكى ابن فورك عن الحسن بن أبي الحسن: "أن الآية نزلت بسبب أن قريشا بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ليغتاله ويقتله، فأطلعه الله تعالى على ذلك وكفاه شره" (?).

قال ابن عطية: " ويحسن على هذا القول أن تكون الآية نزلت عقب غزوة الخندق وحين هزم الله الأحزاب" (?).

والخامس: أنها نزلت في معنى: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} [المائدة: 3]، أي قد أعطيتم الظفر عليهم، فقال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم}. قاله الزجاج (?).

قال أبو حيان: " وقد طولوا بذكر أسباب أخر. وملخص ما ذكروه أن قريشا، أو بني النضير، أو قريظة، أو غورثا، هموا بالقتل بالرسول، أو المشركين هموا بالقتل بالمسلمين، أو نزلت في معنى: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} [المائدة: 3]، قاله الزجاج (?)، أو عقيب الخندق حين هزم الله الأحزاب: {وكفى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25]، والذي تقتضيه الآية أن الله تعالى ذكر المؤمنين بنعمه إذ أراد قوم من الكفار لم يعينهم الله بل أبهمهم أن ينالوا المسلمين بشر، فمنعهم الله، ثم أمرهم بالتقوى والتوكل عليه" (?).

قال الطبري: " وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك، قولُ من قال: عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية، نعمتَه على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيّهم محمدا صلى الله عليه وسلم مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه يومَ سار إليهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في الدية التي كان تحمَّلها عن قتيلي عمرو بن أمية، وإنما قلنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015