قال الطبري: "يقول: ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم، جزاءً على أعمالهم التي عملوها ووفائهم بالعقود التي عاقدوا ربهم عليها، {أجر عظيم}، و «العظيم» من خيره غير محدود مبلغه، ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره" (?).
قال الزمخشري: قوله تعالى: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}، " بيان للوعد بعد تمام الكلام قبله، كأنه قال: قدم لهم وعدا فقيل: أى شيء وعده لهم؟ فقيل: لهم مغفرة وأجر عظيم، وهذا القول يتلقون به عند الموت ويوم القيامة، فيسرون به ويستروحون إليه ويهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى الثواب" (?).
علّق أبو حيان على كلام الزمخشري قائلا: " هي تقادير محتملة، والأول أوجهها" (?).
قال القرطبي: في معنى قوله {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}: ، "أي: لا تعرف كنهه أفهام الخلق، كما قال: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]، وإذا قال الله تعالى: {أجر عظيم}، و {أجر كريم} [يس: 11]، و {أجر كبير} [هود: 11]، فمن ذا الذي يقدر قدره؟ " (?).
وذكر ابن الجوزي في تفسير هذه الآية قولين (?):
أحدهما: أن المعنى: وعدهم الله أن يغفر لهم ويأجرهم، فاكتفى بما ذكر عن هذا المعنى.
والثاني: أن المعنى: وعدهم فقال: لهم مغفرة.
الفوائد:
1 - الترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد.
2 - قال ابن عطية: " هذه آية وعد للمؤمنين بستر الذنوب عليهم وبالجنة فهي الأجر العظيم" (?).
القرآن
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة: 10]
التفسير:
والذين جحدوا وحدانية الله الدالة على الحق المبين، وكذَّبوا بأدلته التي جاءت بها الرسل، هم أهل النار الملازمون لها.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} [المائدة: 10]، أي: " والذين جحدوا وحدانية الله الدالة على الحق المبين" (?).
قال المراغي: " الكفر هنا هو الكفر بالله ورسله، لا فارق فى ذلك بين كفر بالجميع وكفر بالبعض" (?).
قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [المائدة: 10]، أي: " وكذَّبوا بأدلته التي جاءت بها الرسل" (?).
قال السعدي: الآيات " الدالة على الحق المبين، فكذبوا بها بعد ما أبانت الحقائق" (?).
قال المراغي: " وآيات الله قسمان:
- آياته المنزلة على رسله.
- وآياتها التي أقامها فى الأنفس والآفاق للدلالة على وحدانيته وكماله وقدرته وإرادته، وعلى صدق رسله فيما يبلغون عنه" (?).
قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة: 10]، أي: " أهل النار الملازمون لها" (?).
قال النسفي: " أى: لا يفارقونها" (?).
قال السعدي: أي: " الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه" (?).
قال ابن كثير: " وهذا من عدله تعالى، وحكمته وحُكْمه الذي لا يجور فيه، بل هو الحَكَمُ العدل الحكيم القدير" (?).
قال المراغي: " الجحيم النار العظيمة كما قال تعالى حكاية عن قوم إبراهيم: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] " (?).
قال الشيخ ابن عثيمين: والجحيم هي النار، وسميت بذلك لبعد قعرها وظلمة مرءاها" (?).
قال الشربيني: {الجحيم} " أي: النار التي اشتدّ توقدها فاشتدّ احمرارها فلا يراها أحد إلا أحجم عنها فيلقون فيها ثم يلازمونها فلا ينفكون عنها كما هو شأن الصاحب وهذا من عادة الله سبحانه وتعالى إنه يتبع حال أحد الفريقين حال الفريق الآخر وفاء بحق الدعوة وفيه مزيد وعد للمؤمنين وتطييب لقلوبهم" (?).
قال الزجاج: " الجحيم: النار الشديدة الوقود، وقد جحم فلان النار إذا شدد وقودها، -
ويقال لعين الأسد جحمة لشدة توقدها، ويقال لوقود الحرب، وهو شدة القتال فيها: جاحم.
قال الشاعر (?):
والخيل لا يبقى لجاحمها ... التخيل والمراح
إلا الفتى الصبار في ... النجدات والفرس الوقاح" (?).
قال أبو حيان: " في «المؤمنين» (?) جاءت الجملة فعلية متضمنة الوعد بالماضي الذي هو دليل على الوقوع، فأنفسهم متشوقة لما وعدوا به، متشوفة إليه مبتهجة طول الحياة بهذا الوعد الصادق.
وفي «الكافرين» جاءت الجملة اسمية دالة على ثبوت هذا الحكم لهم، وأنهم أصحاب النار، فهم دائمون في عذاب، إذ حتم لهم أنهم أصحاب الجحيم، ولم يأت بصورة الوعيد، فكان يكون الرجاء لهم في ذلك" (?).
الفوائد:
1 - الترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد.
2 - أن هؤلاء الكافرين نفوسهم قد فسدت، وسوء أعمالهم قد ران على قلوبهم، فأصبحوا صما عميا لا يبصرون، لذلك استحقوا العذاب فى نار عظيمة أعدها الله لمن كفر وكذب بآياته.