قال الطبري: أي: "واتقوا الله، أيها المؤمنون، فخافوه أن تبدِّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم: سمعنا وأطعنا، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، وهذا وعيد من الله جل اسمه للمؤمنين كانوا برسوله صلى الله عليه وسلم من أصحابه وتهدُّدًا لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به في رسول وعهدهم الذي عاهدوه فيه بأن يضمروا له خِلاف ما أبدوا له بألسنتهم " (?).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [المائدة: 7]، أي: " إن الله عليمٌ بما تُسِرُّونه في نفوسكم" (?).

قال مقاتل: " يعني: بما فِي قلوبهم من الْإِيمَان والشك" (?).

قال الطبري: اي: " فإن الله مطلع على ضمائر صدوركم وعالم بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيُحّل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالذي حلَّ بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النّقم، وتصيروا في معادِكم إلى سخط الله وأليم عقابه" (?).

قال السعدي: " أي: بما تنطوي عليه من الأفكار والأسرار والخواطر. فاحذروا أن يطلع من قلوبكم على أمر لا يرضاه، أو يصدر منكم ما يكرهه، واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده. فإنكم -إن كنتم كذلك- غفر لكم السيئات، وضاعف لكم الحسنات، لعلمه بصلاح قلوبكم" (?).

قال ابو بكر الجزائري: " يذكرهم بعلم الله تعالى بخفايا أمورهم حتى يراقبوه ويخشوه في السر والعلن، وهذا من باب تربية الله تعالى لعباده المؤمنين لإكمالهم وإسعادهم فله الحمد وله المنة" (?).

الفوائد:

1 - ذكر العهود يساعد على التزامها والمحافظة عليها.

2 - أن الله تعالى أمر عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية، بقلوبهم وألسنتهم، فإن في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته، وامتلاء القلب من إحسانه. وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية، وزيادة لفضل الله وإحسانه (?).

3 - ومنها: وجوب تقوى الله؛ لقوله تعالى: {واتقوا الله}.

4 - ومن أسمائه «العليم»، والْعِلْمُ صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ، ، فهو سبحانه «العليم» المحيط علمه بكل شيء، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء (?).

قال الخطابي: " العليم: هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق. كقوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} [لقمان: 23]. وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم، ولذلك قال -سبحانه-: {وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف: 76]. والآدميون -وإن كانوا يوصفون بالعلم- فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات، دون نوع، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترضهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان، وقد نجد الواحد منهم عالما بالفقه غير عالم بالنحو وعالما بهما غير عالم بالحساب وبالطب ونحوهما من الأمور، وعلم الله -سبحانه- علم حقيقة، وكمال {قد أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12]، {وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 28] " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015