إذا أنتم وفيتم له بميثاقه، من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنته وإنعامكم بالخلود في دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه" (?).
قال السعدي: " أي: سمعنا ما دعوتنا به من آياتك القرآنية والكونية، سمع فهم وإذعان وانقياد. وأطعنا ما أمرتنا به بالامتثال، وما نهيتنا عنه بالاجتناب. وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة، وأن المؤمنين يذكرون في ذلك عهد الله وميثاقه عليهم، وتكون منهم على بال، ويحرصون على أداء ما أمروا به كاملا غير ناقص" (?).
قال أبوبكر الجزائري: " وأما قوله: {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، قد قالها الصحابة بلسان الحال عندما بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقد قالها كل مسلم بلسان الحال لما شهد لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة" (?).
قال مقاتل: " ذلك أن الله- عز وجل- أخذ الميثاق الأول على العباد حين خلقهم من صلب آدم- عليه السلام- فذلك قوله- عز وجل-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} (?)، على أنفسنا فمن بلغ منهم العمل وأقر لله- عز وجل- بالإيمان به وبآياته وكتبه ورسله والكتاب والملائكة والجنة والنار والحلال والحرام والأمر والنهي أن يعمل بما أمر وينتهي عما نهى. فإذا أوفى الله تعالى بهذا، أوفى الله له بالجنة، فهذان ميثاقان: ميثاق بالإيمان بالله وميثاق بالعمل. فذلك قوله- سبحانه-: في البقرة: {سَمِعْنا وَأَطَعْنا} (?)، سمعنا بالقرآن الذي جاء من عند الله وأطعنا الله- عز وجل- فيه، وذلك قوله- سبحانه- في التغابن: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} (?)، يقول: اسمعوا القرآن الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- من عند الله- عز وجل- وأطيعوا الله فيما أمركم فمن بلغ الحلم والعمل ولم يؤمن بالله- عز وجل- ولا بالرسول والكتاب فقد نقض الميثاق الأول بالإيمان بالله- عز وجل- وبما أخذ الله- تعالى- عليه حين خلقه وصار من الكافرين.
ومن أخذ الله- عز وجل- عليه الميثاق الأول ولم يبلغ الحلم فإن الله- عز وجل- أعلم به.
قال: وسئل عبد الله بن عباس عن أطفال المشركين فقال: لقد أخذ الله- عز وجل- الميثاق الأول عليهم فلم يدركوا أجلا ولم يأخذوا رزقا ولم يعملوا سيئة {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} (?) وماتوا على الميثاق الأول فالله أعلم بهم" (?).
قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة: 7]، أي: " واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه" (?).
قال السعدي: أي: "في جميع أحوالكم" (?).
قال ابن عثيمين: " أي: اجعلوا لكم وقاية من عذابه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه" (?).
قال مقاتل: " وَلا تنقضوا ذَلِكَ الميثاق" (?).
قال ابوبكر الجزائري: " أمر بالتقوى التي هي لزوم الشريعة والقيام بها عقيدة وعبادة وقضاء وأدبا" (?).